فصل: كلام بشر بن المعتمر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتبيين **


  كلام بشر بن المعتمر

مرَّ بشر بنُ المعتمر بإبراهيم بن جبلة بن مَخْرَمة السَّكونيّ الخطيبِ وهو يعلِّم فتيانهم الخَطابة فوقف بِشرٌ فظنّ إبراهيمُ أنّه إنّما وقَفَ ليستفيد أو ليكونَ رجلاً من النَّظّارة فقال بِشر‏:‏ اضربُوا عمّا قالَ صَفْحاً واطوُوا عنه كَشْحاً ثمّ دَفَع إليهم صحيفةً من تحبيره وتنميقه وكان أوّل ذلك الكلام‏:‏ خُذْ من نفسِك ساعةَ نشاطِك وفراغِ بالك وإجابتِها إياك فإنّ قليل تلك الساعةِ أكرَمُ جوهراً وأشرَفُ حسَباً وأحسن في الأسماع وأحلَى في الصدور وأسلَمُ من فاحش الخَطَاءِ وأجْلَبُ لكلِّ عين وغُرّةٍ مِن لفظٍ شريف ومعنىً بديع واعلَمْ أنّ ذلك أجدى عليك ممَّا يُعطيك يومُك الأطولُ بالكدِّ والمطاولة والمجاهدة وبالتكلُّف والمعاودة ومهما أخطأَك لم يُخطئْك أن يكون مقبولاً قَصْداً وخفيفاً على اللِّسان سهلاً وكما خرج من يَنبوعه ونَجَم من مَعْدِنه وإياك والتوعُّرَ فإنّ التوعُّر يُسلمِكُ إلى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلكُ معانَيكَ ويَشين ألفاظك ومن أَرَاغَ معنىً كريماً فليلتمِسْ له لفظاً كريماً فإنّ حقّ المعنى الشريفِ اللفظُ الشّريف ومن حقِّهما أن تصونهما عما يفسدُهما ويهجِّنُهمَا وعمّا تعودُ من أجله أن تكونَ أسوأَ حالاً مِنك قبل أن تلتمس إظهارَهُما وترتهِن نفسَك بملابستِهما وقضاءِ حقِّهما فكُن في ثلاثِ منازل فإن أُولَى الثلاث أن يكون لفظُك رشيقاً عذْباً وفخْماً سهلاً ويكونَ معناك ظاهراً مكشوفاً وقريباً معروفاً إمَّا عند الخاصَة إنْ كنتَ للخاصَّة قصَدت وإمَّا عند العامَّة إنْ كنتَ للعامَّة أردت والمعنى ليس يشرفُ بأن يكونَ من معاني الخاصَّة وكذلك ليس يتَّضع بأن يكونَ من معاني العامَّة وإنّما مَدارُ الشّرَف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافَقَة الحال وما يجب لكلّ مَقامٍ من المقال وكذلك اللفظ العامّيّ والخاصّيّ فإنْ أمكنَكَ أن تبلغ من بيان لسانك وبلاغةِ قلمك ولُطف مَدَاخلك واقتدارِك على نفسك إلى أن تُفْهم العامَّة معانيَ الخاصَّة وتكسُوَها الألفاظَ الواسطة التي لا تَلطُف عن الدَّهْماء ولا تَجفُو عن الأَكْفاء فأنت البليغ التامّ قال بشر‏:‏ فلما قُرِئت على ابراهيمَ قال لي‏:‏ أنا أحوَجُ إلى هذا من هؤلاء الفتيان قال أبو عثمان‏:‏ أما أنا فلم أرَ قطُّ أمَْثَلَ طريقةً في البلاغة من الكتّاب فإنهم قد التمَسُوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً وحْشيّاً ولا ساقطاً سُوقيّاً وإذا سمعتموني أذكُر العَوامّ فإنّي لستُ أعني الفلاّحين والحُِشْوة والصُّنَّاعَ والباعة ولستُ أعني أيضاً الأكرادَ في الجبال وسُكّانَ الجزائر في البحار ولست أعني من الأمم مَثلَ الببر والطّيلسان ومثل مُوقَان وجِيلان ومثل الزِّنج وأشباه الزّنج وإنّما الأمم المذكورون مِن جميع الناس أربع‏:‏ العرب وفارسُ والهند والرّوم والباقون همجٌ وأشباه الهَمج وأما العوامّ مِن أهل مِلّتنا ودعوتنا ولغتنا وأدبنا وأخلاقنا فالطّبقة التي عقولُها وأخلاقُها فوقَ تلك الأمم ولم يبلُغوا منزلَة الخاصة منا على أنّ الخاصَة تتفاضل في طبقاتٍ أيضاً ثم رجع بنا القولُ إلى بقيّة كلام بشرِ بن المعتمر وإلى ما ذَكَر من الأقسام قال بشرٌ‏:‏ فإن كانت المنزلةُ الأولى لا تواتيك ولا تعتريك ولا تسمَح لك عند أوَّل نظَرك وفي أول تكلُّفك وتجد اللّفْظة لم تقع موقعَها ولم تَصر إلى قرارها وإلى حقِّها من أماكنها المقسومة لها والقافيةَ لم تحُلَّ في مركزها وفي نِصابها ولم تتَّصل بشكلها وكانت قلقةً في مكانها نافرةً مِن موضعها فلا تُكْرِهْها على اغتصاب الأماكن والنزولِ في غير أوطانها فإنّك إذا لم تَتَعاطَ قرضَ الشّعر الموزون ولم تتكلَّف اختيارَ الكلام المنثور لم يَعِبْك بترك ذلك أحد فإنْ أنتَ تكلّفتهما ولم تكن حاذقاً مطبوعاً ولامُحكماً لشأنك بصيراً بما عليك وما لَكَ عابَكَ مَن أنت أقلُّ عيباً منه ورأى مَن هو دونَك أنّه فوقَك فإن ابتُليت بأنّ تتكلَفَ القولَ وتتعاطى الصنعةَ ولم تسْمَح لك الطِّباعُ في أوّل وَهلة وتعاصَى عليك بَعْدَ إجالة الفكرة فلا تعجَلْ ولا تضْجَر ودَعْهُ بياضَ يومك وسوادَ ليلتِك وعاوِدْه عند نشاطِك وفراغِ بالك فإنَّك لا تَعدم الإجابَة والمواتاة إن كانت هناك طبيعةٌ أو جرَيْتَ من الصِّناعة على عرْق فإن تمنّعَ عليك بعدَ ذلك من غير حاد شغلٍ عِرَضَ ومن غير طول إهمال فالمنزلةُ الثّالثةُ أن تتحوَّلَ من هذه الصناعة إلى أشْهَى الصناعاتِ إليك وأخفّها عليك فإنَّك لم تشتهه لم تنازِعْ إليه إلاّ وبينَكما نسب والشّيءُ لا يحِنُّ إلاّ إلى ما يشاكلُه وإن كانت المشاكلة قد تكون في طبقات لأن النفوسَ لا تجود بمكنونها معَ الرّغْبة ولا تُسْمحِ بمخزونها مع الرّهْبة كما تجود به مع الشَّهوة والمحبّة فهذا هذا وقال‏:‏ ينبغي للمتكلّم أن يعرِفَ أقدارَ المعاني ويوازنَ بينها وبين أقدار المستمعينَ وبين أقدار الحالات فيجعلَ لكلِّ طبقةٍ من ذلك كلاماً ولكلّ حالةٍ من ذلك مَقاماً حتَّى يقسمَ أقدارَ الكلام على أقدار المعاني ويقسم أقدارَ المعاني على أقدار المقامات وأقدارَ المستمعين على أقدار تلك الحالات فإن كان الخطيبُ متكلِّماً تجنَّبَ ألفاظ المتكلِّمين كما أنّه إنْ عبّر عن شيء من صناعة الكلام واصفاً أو مجيباً أو سائلاً كان أولى الألفاظ به ألفاظَ المتكلمين إذْ كانوا لتلك العبارات أفهَمَ وإلى تلك الألفاظ أميل وإليها أحنَّ وبها أشغَف ولأنَّ كبارَ المتكلمين ورؤساءَ النظّارين كانوا فوقَ أكثرِ الخُطَباء وأبلَغَ من كثير من البلغاء وهم تَخَيَّروا تلك الألفاظَ لتلك المعاني وهم اشتقُّوا لها مِن كلام العرب تلكَ الأسماءَ وهم اصطلحوا على تسميةِ ما لم يكن له في لغة العرب اسمٌ فصاروا في ذلك سلفاً لكلّ خلف وقُدوةً لكلّ تابع ولذلك قالوا‏:‏ العَرَض والجوهر وأيْس وليس وفرَقوا بين البُطلان والتّلاشي وذكروا الهذيّة والهُوِيّة وأشباهَ ذلك وكما وضع الخليل بنُ أحمدَ لأوزان القصيد وقِصار الأرجاز ألقاباً لم تكن العربُ تتعارف تلك الأعاريضَ بتلك الألقابِ وتلك الأوزانَ بتلك الأسماء كما ذكرَ الطَّويلَ والبسيطَ والمديد والوافر والكامل وأشباه ذلك وكما ذكرَ الأوتادَ والأسباب والخَرْم والزِّحاف وقد ذكرت العرب في أشعارها السِّناد والإقواء والإكفاء ولم أسمع بالإيطاء وقالوا في القصيدة والرّجَز والسّجع والخُطَب وذكرَوُا حروفَ الرويّ والقوافي وقالوا‏:‏ هذا بيتٌ وهذا مصراع وقد قال جَندَلٌ الطهويُّ حين مدح شعره‏:‏ من الرجز وقال ذو الرّمة‏:‏ من الوافر وشعرٍ قد أَرِقْتُ له غريبٍ أجنِّبه المُسانَدَ والمُحَالا وقال أبو حِزامٍ العُكْليّ‏:‏ من المتقارب بيوتاً نصبْنا لتقويمها جُذولَ الرَّبِيئينَ في المَرْبَأه بيوتاً عَلَى الهَاء لَهَا سجحةٌ بغير السِّناد ولا المكْفَأَه وكما سمَّى النحويون فذكروا الحالَ والظّروفَ وما أشبهَ ذلك لأنَّهم لو لم يضَعُوا هذه العلاماتِ لم يستطيعوا تعريف القَرويِّين وأبناء البلَديِّين علمَ العروض والنَّحو وكذلك أصحاب الحساب فقد اجتلبوا أسماءً جعلوها علاماتٍ للتفاهُم قالوا‏:‏ وقبيحٌ بالخطيب أن يقوم بخُطْبة العيد أو يومَ السِّماطين أو على منبر جماعة أو في سُدّة دار الخلافة أو في يومِ جَمْعٍ وحفل إمَّا في إصلاح بين العشائر واحتمالِ دماء القبائل واستلالِ تلك الضّغائِن والسّخائم فيقولَ كما قال بعضُ مَن خطَب على مِنبرٍ ضخمِ الشَّأنِ رفيع المكان‏:‏ ثم إنَ اللَّه عزّ وجلّ بعد أن أنشأ الخَلق وسوّاهم ومكّن لهم لاشَاهم فتلاشَوْا ولولا أنَّ المتكلِّم افتقَرَ إلى أن يلفِظ بالتَّلاشي لكان ينبغي أن يُؤخَذَ فوق يده وخطَب آخَرُ في وسط دار الخلافة فقال في خطبته‏:‏ وأخرجَهُ اللَّه من باب الليسيَّة فأدخله في باب الأيْسيَّة وقال مَرَّة أخرى في خُطبةٍ له‏:‏ هذا فرْقُ ما بين السَّارّ والضَّارّ والدّفّاع والنَّفّاع وقال مَرَّة أخرى‏:‏ فَدلَّ ساتره على غامره ودلَّ غامره على منحلّه فكاد إبراهيمُ بن السِّنديّ يطير شِقَقاً وينْقَدُّ غَيْظاً هذا وإبراهيمُ من المتكلِّمين والخطيبُ لم يكن من المتكلِّمين وإنَّما جازت هذه الألفاظُ في صناعة الكلام حين عَجَزت الأسماءُ عن اتِّساع المعاني وقد تَحسُنُ أيضاً ألفاظُ المتكلِّمين في مثل شعرِ أبي نُواسٍ وفي كلِّ ما قالوه على وَجْه التَّظرُّف والتملح كقول أبي نُوَاس‏:‏ من المجتث وذات خدٍّ مُورَّد قُوهيّة المُتَجَرَّدْ تأمَّلُ العَيْنُ منها محاسناً ليس تنفَدْ فبعضُها قد تَنَاهَى وبعضُها يتولَّدْ والحسنُ في كلّ عضوٍ منها مُعادٌ مُردَّدْ وكقوله‏:‏ من المجتث يا عاقِدَ القلبِ مِنِّي هَلاّ تذكرت حَلاّ تركت مِنِّي قليلاً من القليل أَقَلاَّ يكاد لا يتجزَّا أقلَّ في اللّفظ مِن لا وقد يتملّحُ الأعرابيُّ بأن يُدْخِل في شعره شيئاً من كلام الفارسيَّة كقول العُمّانيّ للرَّشيد في قصيدته التي مدحَه فيها‏:‏ من الرجز مَن يَلْقَهُ مِن بطلٍ مُسْرَنْدِ في زَغْفَةٍ مُحْكَمةٍ بالسَّرْدِ تجول بين رأسِه والكَرْدِ يعني العُنُق وفيها يقول أيضاً‏:‏ لما هَوَى بينَ غِياض الأُسْدِ وصار في كفِّ الهِزَبْر الوَرْدِ آلى يَذُوق الدَّهرَ آبِ سَرْدِ وكقول الآخر‏:‏ من الطول وولّهني وقْعُ الأسِنّةِ والقَنا وكافر كُوباتٍ لها عُجَرٌ قُفْدُ بأيدي رجالٍ ما كلامي كلامُهم يَسُومُونني مَرْداً وما أنا والمَرْدُ ومثل هذا موجود في شعر أبي العُذَافِر الكنديّ وغَيرِه ويكون أيضاً أن يكون الشعر مثل شعر بَحرٍ وشاذَ وأسود بن أبي كريمةَ وكما قالَ يزيد بن ربيعة بن مُفَرِّغٍ‏:‏ من الكامل آبَ اسْتْ نَبيذَ اسْت عُصَاراتِ زَبيبَ اسْتْ سُمَيَّهْ رُوسَبِيد اسْتْ وقال أسود بن أبي كَرِيمةَ‏:‏ من مجزوء الرمل فتمايلْتُ عليهم ميْل زَنكيّ بمَسْتِي قد حَسا الدَّاذيَّ صرْفاً أو عُقَاراً بايخَسْتِ ثم كُفْتَم دُور باد ويحكم آنْ خَرِ كُفْت إنَّ جِلْدِي دبَغَته أهل صَنْعاءَ بجَفْتِ وأبو عمرة عندي آنْ كُوربُدْ نَمَسْتِ جالس أندر مكناد أيا عمد ببهشتِ وكما لا ينبغي أن يكون اللفظُ عامّيّاً وساقطاً سُوقيّاً فكذلك لا ينبغي أن يكون غريباً وحشيّاً إلاّ أنْ يكون المتكلِّم بدويّاً أعرابيّاً فإن الوحشيَّ من الكلام يفهمه الوحشيُّ من الناس كما يفهَمُ السُّوقيّ رِطَانَة السُّوقيّ وكلامُ النّاس في طبقاتٍ كما أنّ الناسَ أنفسَهم في طبقات فمن الكلام الجَزلُ والسَّخيف والمليحُ والحسن والقبيح والسَّمجُ والخفيفُ والثقيل وكلُّه عربيّ وبكُلٍّ قد تكلَّموا وبكلٍّ قد تَمَادَحوا وتعايبوا فإنْ زعم زاعمٌ أنه لم يكن في كلامهم تفاضُل ولا بينهم في ذلك تفاوُت فلمَ ذكروا العِييَّ والبكئَ والحَصِر والمُفحَمَ والخِطِل والمُسهَبَ والمتشدِّق والمتفيْهق والمِهمارَ والثّرثار والمكثار والهمَّار ولِمَ ذكروا الهُجرْ والهَذَرَ والهَذَيانَ والتَّخليط وقالوا‏:‏ رَجلُ تِلقّاعَة وفلان يتلَهْيَع في خطبته وقالوا‏:‏ فلانٌ يُخطِئ في جوابه ويُحيل في كلامه ويناقِضُ في خَبَره ولولا أنّ هذه الأمور قد كانت تكون في بعضهم دونَ بعض لَمَا سَمَّى ذلك البعضُ البعضَ الآخَرَ بهذه الأسماء وأنا أقول‏:‏ إنّه ليس في الأرض كلامٌ هو أمتَعُ ولا آنَق ولا ألذُّ في الأسماع ولا أشدُّ اتصالاً بالعقول السليمة ولا أفَتَقُ للِّسان ولا أجودُ تقويماً للبيان مِن طول استماعِ حديثِ الأعراب العقلاء الفصحاء والعلماءِ البلغاء وقد أصابَ القومُ في عَامَّة ما وَصَفوا إلاّ أَنّي أزعمُ أنّ سخيفَ الألفاظ مشاكلٌ لسخيف المعاني وقد يُحتاج إلى السَّخيف في بعض المواضع ورُبّما أمتَعَ بأكثَرَ من إمتاع الجزْلِ الفخم من الألفاظ والشريفِ الكريم من المعاني كما أنّ النادرةَ الباردة جِدّاً قد تكون أطيَبَ من النادرة الحارَّة جدّاً وإنما الكَرْبُ الذي يَخْتِم على القلوب ويأخذُ بالأنفاس النادرةُ الفاترة التي لا هي حارّةٌ ولا باردة وكذكلك الشِّعر الوسَط والغِناء الوسط وإنّما الشّأن في الحارّ جدّاً والباردِ جدّاً وكان محمّد بن عبّاد بن كاسب يقول‏:‏ واللَّهِ لَفلانٌ أثقل من مُغنٍّ وسط وأبغضُ من ظريفٍ وسَط ومتى سمعتَ - حفِظك اللَّه - بنادرةٍ من كلام الأعراب فإيّاك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارِجِ ألفاظها فإنَّك إنْ غيَّرتَها بأن تلحَنَ في إعرابها وأخرجْتَها مخارجَ كلام المولّدين والبلديِّين خرجْتَ من تلك الحكايةِ وعليك فضلٌ كبير وكذلك إذا سمِعتَ بنادرةٍ من نوادر العوامّ ومُلْحة من مُلَح الحُشوَة والطَّغام فإيَّاكَ وأن تستعمِلَ فيها الإعراب أو تتخيَّرَ لها لفظاً حسناً أو تجعل لها مِن فيك مخرجاً سَرِيّاً فإنّ ذلك يفسد الإمتاع بها ويُخرجها من صورتها ومِن الذي أُرِيدَت له ويُذهب استطابَتهم إياها واستملاحَهم لها ثمَّ اعلمْ أنّ أقبَحَ اللَّحن لحنُ أصحاب التّقعير والتقعيب والتَّشديق والتمطيط والجَهْورةِ والتفخيم وأقبَحُ مِن ذلك لحنُ الأعاريب النّازلين على طُرُق السَّابلة وبقُرب مَجامع الأسواق ولأهل المدينة ألسنٌ ذَلِقة وألفاظٌ حسنة وعبارةٌ جيّدة واللَّحن في عوامِّهم فاشٍ وعلى مَن لم يَنظُر في النَّحو منهم غالب واللَّحن مِن الجواري الظِّراف ومن الكواعبِ النّواهد ومن الشَّوابِّ المِلاح ومن ذوات الخُدورِ الغرائر أيْسَر وربّما استَملح الرّجل ذلك منهنّ ما لم تكن الجاريةُ صاحبةَ تكلُّف ولكن إذا كان اللحنُ على سجيّة سُكّان البلد وكما يستملحون اللَّثغاء إذا كانت حديثةَ السن ومَقدودةً مجدولة فإذا أسنَّتْ واكتهلَتْ تغيَّرَ ذلك الاستملاح وربّما كان اسمُ الجارية غُلَيِّم أو صُبَيَّةَ أو ما أشبه ذلك فإذا صارت كهلةً جَزْلة وعجوزاً شَهلةً وحَملت اللّحمَ وتراكَمَ عليها الشحم وصار بَنُوها رجالاً وبناتُها نساء فما أقبح حينئذ أن يقال لها‏:‏ يا غُلَيِّمُ كيف أصبحتِ ويا صُبَيَّة كيف أمسيتِ ولأمرٍ ما كنَّتِ العربُ البناتِ فقالوا‏:‏ فعلت أمُّ الفضل وقالت أمُّ عمرو وذهبت أمُّ حكيم نعم حَتّى دعاهُم ذلك إلى التقدُّم في تلك الكنىَ وقد فسَّرنا ذلك كلّه في كتاب الأسماء والكُنى والألقاب والأنباز وقد قال مالِك بن أسماءَ في استملاح اللَّحن من بعض نِسائه‏:‏ من الخفيف أَمُغَطّىً مِنّي على بصرى للْ - حُبِّ أم أنتِ أكمَلُ النّاسِ حُسنا وحديثٍ ألذّه هو مِمَّا ينعَتُ الناعِتُونَ يُوزَنُ وَزْنَا منطقٌ صائبٌ وتلحن أحيا - ناً وأحْلَى الحديثِ ما كان لَحْنَا وهم يمدحون الحِذقَ والرِّفق والتخلُّصَ إلى حَبَّاتِ القلوب وإلى إصابة عيون المعاني ويقولون‏:‏ أصاب الهَدَف إذا أصابَ الحقَّ في الجُملة ويقولون‏:‏ قَرطَسَ فلان وأصاب القِِرطاسَ إذا كان أجودَ إصابةً من الأوّل فإن قالوا‏:‏ رمى فأصاب الغُرّة وأصاب عينَ القرطاس فهو الذي ليس فوقَه أحد ومن ذلك قولُهم‏:‏ فلان يفُلُّ الحزَّ ويصيب المَفْصِل ويضع الهِناء مواضع النُّقَب وقال زُرَارةُ بن جَزءٍ حين أَتى عُمرَ بنَ الخطاب رحمه اللَّه فتكلّم عِنده ورَفَع حاجتَه إليه‏:‏ من الطويل أتيتُ أبا حفصٍ ولا يستطيعُه من الناس إلا كالسِّنان طريرُ فوفَقَنِي الرّحمنُ لَمّا لقيتُه وللبابِ مِن دُونِ الخصوم صَرير فقلت له قولاً أصاب فؤاده وبعضُ كلام النّاطقين غُرورُ وفي شبيهٍ بذلك يقول عبدُ الرحمن بنُ حسّان حيث يقول‏:‏ من الطويل رجالٌ أصحّاءُ الجلودِ من الخَنا وألسنةٌ معروفة أين تذهب وفي إصابة فَصّ الشّيء وعينه يقول ذو الرُّمَّة في مديح بلال بن أبي بردة الأشعريّ‏:‏ من الوافر تُناخِي عند خيرِ فتىً يَمانٍ إذا النّكْباءُ عارضَت الشَّمالا وخيرهِمُ مآثِرَ أهلِ بيتٍ وأكرَمِهمْ وإن كَرُموا فَعَالا وأبعدِهِمْ مسافَةَ غَوْرِ عقلٍ إذا ما الأمرُ في الشُّبُهات عالا ولُبِّس بينَ أقوامٍ فكُلٌّ أعَدَّ له الشّغازِب والمحَالا وكلهمُ ألَدُّله كِظَاظٌ أعَدّ لكلِّ حالِ القوم حالا فَصَلْتَ بحكمةٍ فأصبْتَ منها فُصوصَ الحق فانفصَلَ انفصالا وكان أبو سعيدِ الرّاْي هو شِرشِيرٌ المدنيّ يعيب أبا حنيفة فقال الشاعر‏:‏ من البسيط عِندي مسائلُ لا شِرْشِيرُ يُحسِنُها عندَ السُّؤالِ ولا أصحابُ شرشيرِ ولا يُصِيب فصوصَ الحقِّ نَعلَمُه إلا حَنيفيّةٌ كوفيَّةُ الدُّورِ إنّي تذكّرتُ قَتلَى لو شهِدْتُهُمُ في غَمرةِ الموت لم يَصْلَوْا بها دُوني لا أُكثِرُ القولَ فيما يَهضِبُون به مِن الكلام قليلٌ منه يكفِيني وقال رجلٌ من طيّ ومدحَ كلامَ رجل فقال‏:‏ هذا كلامٌ يُكتَفى بأُولاه ويُشتَفَى بأُخراه وقال أبو وَجْزَة السعديّ من سعيدِ بن بكر يصف كلامَ رجل‏:‏ من الكامل يَكفِي قليلُ كلامِهِ وكثيرُه ثَبْتٌ إذا طالَ النِّضَالُ مُصِيبُ ومن كلامهم الموجَز في أشعارهم قولُ العُكْليّ في صفة قوس‏:‏ من الرجز في كَفِّهِ مُعطِيَةٌ مَنُوعُ مُوثَقَةٌ صابرَةٌ جَزُوعُ وقال الآخَر ووصف سَهمَ رامٍ أصابَ حماراً فقال‏:‏ حتَّى نَجَا من جَوفه وما نَجا وقال الآخرَ وهو يصفُ ذئباً‏:‏ من الرجز أطلس يخفي شخصَه غُبَارُه في شِدقِه شَفرتُه ونارُه هو الخَبيثُ عينُه فرارُه بَهْمُ بني مُحاربٍ مُزْدارُهْ ووصف الآخر ناقة فقال‏:‏ خَرقاءُ إلا أنها صَنَاعِ يَصف سُرعةَ نقل يديها ورجلَيها أنّها تشبه المرأةَ الخرقاء وهي الخرقاء في أمرها الطّيَّاشَةُ وقال الآخَر ووصف سَهماً صارِداً فقال‏:‏ من الرجز ألْقَى على مفطوحها مَفطُوحا غادَرَ داءً ونَجَا صحيحا المفطوح الأوّل للقوس وهو العريض هو هاهنا موضع مقبض القوس والمفطوح الثاني‏:‏ السهم العريض يعني أنه ألقى على مقبض القوس سهماً عريضاً وقال الآخر‏:‏ من الرجز إنّك يا ابنَ جعفرٍ لا تُفلحُ الليلُ أخفَى والنَّهارُ أفضَحُ وقالوا في المَثل‏:‏ الليلُ أخْفى لِلوَيل وقال رؤبة يصف حماراً‏:‏ حَشْرَجَ في الجوف سَحيلاً وَشَهقْ حَتَّى يُقالُ ناهقٌ وما نَهَقْ الحشرجة‏:‏ صوت الصَّدر والسَّحِيل‏:‏ صوت الحمار إذا مدَّه والشَّهيق‏:‏ أن يقطِّع الصَّوت وقال بعضُ ولد العبّاس بن مِرْداسِ السُّلَمي في فرس أبي الأعور السُّلَميّ‏:‏ جاءَ كلمْعِ البَرقِ جاشَ ناظره يَسبح أُولاه ويَطفو آخِرُه فما يَمَسُّ الأرضَ منه حافرُه قوله‏:‏ جاش ناظره أي جاش بمائه وناظر البرق‏:‏ سحابُه يسبح يعني يمد ضَبْعَيْه فإذا مدَّهما علا كَفَلُه وقال الآخر‏:‏ وقال العجّاج‏:‏ يمكّنُ السَّيفَ إذا السّيفُ انأطَرْ مِن هامَة اللّيثِ إذا ما الليثُ هَرّ كجَمَل البحر إذا خاضَ جسر غَوارب اليَمِّ إذا اليمُّ هَدَرْ حتَّى يُقالَ حاسرٌ وما حَسَرْ قالوا‏:‏ جمل البحر سمكةٌ طولها ثلاثون ذراعاً يقول‏:‏ هذا الرجل يبعد كما تبعد هذه السمة بجسَارة لا يردُّها شيء حتَّى يقال كاشف وما انكشف البحر يقال‏:‏ البحر حاسرٌ وجازِرٌ يقول‏:‏ حتَّى يحسب النّاسُ من ضِخَم ما يبدو من هذا الجمل أنّ الماءَ قد نضَب عنه وأنَّ البحر حاسرٌ وقال آخر‏:‏ من الرجز يا دارُ قد غَيَّرها بلاَهَا كأنَّما بقَلَمٍ مَحاها أخْرَبهَا عُمران مَن بَناها وكَرُّ مُمساها على مَغناها وطفِقَتْ سحابةٌ تَغشاها تَبكي على عِراصِها عيناها قوله‏:‏ أخْرَبها عُمران مَن بناها يقول‏:‏ عمَّرها بالخراب وأصل العُمران مأخوذ من العَمْر وهوالبقاء فإذا بقي الرّجُل في داره فقد عَمَرها فيقول‏:‏ إنّ مُدّة بقائه فيها أبلَتْ منها لأنّ الأيّام مؤثِّرة في الأشياء بالنّقص والبِلَى فلما بقيَ الخرابُ فيها وقام مَقام العُمران في غيرها سُمِّي يا عَجَّلَ الرّحمنُ بالعذابِ لعِامرات البيتِ بالخرابِ يعني الفار يقول‏:‏ هذا عُمرانها كما يقول الرّجل‏:‏ ما نَرَى من خيرك ورِفْدكّ إلاّ ما يبلغنا مِن حطْبِك عَلينا وفَتِّك في أعضادنا وقال اللَّه عزّ وجل‏:‏ ‏"‏ هذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّين ‏"‏ الواقعة‏:‏ 65 والعذابُ لا يكون نُزُلاً ولكنْ لمَّا قامَ العذابُ لهم في موضع النّعيم لغيرهم سُمِّي باسمه وقال الآخَر‏:‏ من الرجز فقلتُ أطعِمْني عُمَيْرُ تَمْراً فكان تَمري كَهرْةً وزَبْرَا والتَّمر لا يكون كَهْرة ولا زَبْراً ولكنّه على ذا وقال اللَّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏)‏ولَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيّاً‏(‏ مريم‏:‏ 26 وليس في الجنَّة بُكرةٌ ولا عشيّ ولكن على مقدار البُكَرِ والعشيَّات وعلى هذا قول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وَقَالَ الَّذِين فِي النَّارِ لِخَزَنَة جَهَنَّمَ ‏"‏ غافر‏:‏ 52 والخَزَنَة‏:‏ الحَفَظة وجهنّمُ لا يضيع منها شيءٌ فيحفظ ولا يَختَار دُخولَها إنسانٌ فيُمنع منها ولكنْ لمّا قامت الملائكةُ مَقامَ الحافظ الخازن سُمّيت به قوله‏:‏ مُمْساهَا يعني مَساءها ومغناها‏:‏ موضعها الذي أقيم فيه والمغَاني‏:‏ المنازل التي كان بها أهلُوها وطَفقَت يعني ظَلَّت تبكي على عراصها عَيناها عيناها هاهنا للسَّحاب وجَعل المطرَ بكاءً من السَّحاب على طريق الاستعارة وتسميةِ الشَّيء باسم غيرِه إذا قام مَقامه ويقال لكلّ جَوْبةٍ مُنْفَتِقةٍ ليس فيها بناءٌ‏:‏ عَرْصة وقال أبو عَمرِو بنُ العَلاء‏:‏ اجتمع ثلاثة من الرُّواة فقال لهم قائل‏:‏ أيُّ نِصفِ بيت شعْرٍ أحكَمُ وأوجَز فقال أحدهم‏:‏ قول حُميد بن ثَور الهِلاليّ‏:‏ من الطويل وحَسْبُكَ داءً أن تَصحَّ وتَسْلما ولعلّ حُميداً أن يكون أخذَه عَن النَّمر بن تولب فإنّ النمر قال‏:‏ من الطويل يُحبُّ الفتَى طُولَ السَّلامةِ والغِنى فكيفَ تَرَى طُولَ السَلامةِ يَفعلُ وقال أبو العتاهية‏:‏ أسْرَعَ في نقصِ امرئ تَمامُه ذهب إلى كلام الأوّل‏:‏ كُلُّ ما أقام شَخَص وكلُّ ما ازداد نَقص ولو كان النّاسُ يمُيتهم الدّاء إذاً لأعاشَهم الدَّواء وقال الثاني من الرُّواة الثلاثة‏:‏ بل قولُ أبي خِراشٍ الهُذَليّ‏:‏ من الطويل نُوكَّلُ بالأدنَى وإنْ جَلّ ما يَمِضي وقال الثالث من الرُّواة‏:‏ بل قولُ أبي ذُويبٍ الهُذَليِّ‏:‏ من الكامل وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنَعُ فقال قائل‏:‏ هذا من مفاخر هُذيل‏:‏ أن يكون ثلاثةٌ من الرُّواة لم يصيبوا في جميعِ أشعار العرب إلاّ ثلاثة أنصافٍ اثنان منها لهذيلٍ وحدها فقيل لهذا القائل‏:‏ إنما كان الشرط أن يأتوا بثلاثةٍ أنصافٍ مستغنياتٍ بأنفسها والنِّصف الذي لأبي ذؤيبٍ لا يَستغني بنفسه ولا يَفْهم السامعُ معنى هذا النّصِف حتَّى يكون موصولاً بالنِّصف الأول لأنّك إذا أنشدتَ رجلاً لم يسمَع بالنِّصف الأوّل وسمِع‏:‏ وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ قال‏:‏ مَن هذه التي تُرَدُّ إلى قليلٍ فتقنع وليس المُضمَّن كالمطلق وليس هذا النّصف مما رواه هذا العالم وإنما الرِّواية قولُه‏:‏ من الكامل والدَّهر ليس بمُعْتبٍ مَن يجزعُ وممَّا مَدحوا به الإيجازَ والكلامَ الذي هو كالوحي والإشارة قولُ أبي دؤاد بن حَريز الإيادِيّ‏:‏ من الكامل يرمُونَ بالخُطَب الطِّوالِ وتارةً وَحْيَ المَلاَحظ خِيفَةَ الرُّقَباء فمَدَح كما ترى الإطالةَ في موضعها والحذفَ في موضعه ومما يدل على شغَفهم وكَلَفهم وشِدّة حبِّهم للفَهْم والإفهام قولُ الأسديّ في صفةِ كلامِ رجلٍ نَعَت له موضعاً من تلك السباسِب التي لا أَمارة فيها بأقلِّ اللّفْظ وأوجزه فوَصَف إيجازَ الناعت وسرعةَ فهمِ المنعوت له فقال‏:‏ من الطويل بضَربة نَعْتٍ لم تُعَدْ غير أنّني عَقُولٌ لأوصاف الرِّجال ذَكوُرَها وهذا كقولهم لابن عبّاس‏:‏ أنَّى لك هذا العلم قال‏:‏ قلبٌ عَقُولٌ ولسانٌ سؤول ومَهْمَهَين قَذَفَين مَرْتَيْن جُبْتُهما بالنَّعْت لا بالنّعتَيْنْ ظَهراهما مِثلُ ظُهور التُّرْسَيْنْ قطعته بالأَمِّ لا بالسَّمتَيْنْ وقالوا في التحذير من مِيسم الشِّعر ومن شدّة وقْع اللسان ومن بقاء أثره على الممدوح والمهجوّ قال امرؤ القيس بن حُجر‏:‏ من المتقارب ولو عن نثَا غَيرِه جاءني وجُرْحُ اللِّسان كجرح اليدِ وقال طَرفة بن العَبْد‏:‏ من الكامل بحُسَام سَيْفكَ أو لسانِكَ والكَ - لِمُ الأصيل كأرغب الكَلْمِ قال‏:‏ وأنشدني محمّد بن زياد‏:‏ من الرجز لَحَوتُ شَمّاساً كما تُلحَى العِصِي سَبّاً لو أنّ السبَّ يُدمِي لدَمِي مِن نَفَرٍ كلُّهُمُ نكسٌ دَنِي مَحامِدِ الرَّذْل مشاتيم السَّرِي مَخَابِطِ العِكْم مَوَاديعِ المَطِي مَتَاركِ الرَّفيق بالخَرْق النَّطِي وأنشد محمّد بن زياد‏:‏ من الطويل تمنّى أبو العَفّاق عِنديَ هَجْمةً تُسهِّلُ مأوَى لَيلِها بالكَلاكِل ولا عَقْلَ عندي غيرُ طعن نوافِذٍ وضَربٍ كأشداق الفِصَال الهَوادِل الهَجْمةُ‏:‏ القِطعة من النُّوق فيها فَحْل والكلكل‏:‏ الصَّدر والفِصال‏:‏ جمع فَصيل وهو ولد النَّاقة إذا فُصِل عَنها والهوادل‏:‏ العظام المَشافر والعقل هاهنا الدِّيَةُ والعاقلة‏:‏ أهل القاتل الأدنَوْن والأبعدُون والصَّفا‏:‏ جمع صفَاةٍ وهي الصخرة وقال طَرَفَة‏:‏ من الطويل رأيتُ القوافِي يَتْلّجن مَوَالجاً تضايَقُ عنها أن تَوَلَّجها الإبَرْ وقال الأخطل‏:‏ من البسيط حتَّى أقَرُّوا وهم مِنِّي على مَضضٍ والقولُ ينفُذ ما لا تَنْفُذُ الإبَرُ وقال العُمَانيّ‏:‏ إذْ هُنَّ في الرَّيطِ وفي المَوادعِ تُرْمَى إليهنَّ كبَذْرِ الزارعِ الرَّيْط‏:‏ الثياب واحدها رَيْطَة والرَّيطة‏:‏ كلُّ ملاءةٍ لم تكن لِفْقين والحلّة لا تكون إلاّ ثوبين والمَوَادع‏:‏ الثِّياب التي تَصون غيرَها واحِدها مِيدعَةٌ وقالوا‏:‏ الحرب أوَّلُها شكوَى وأوسَطُها نَجْوَى وآخرُها بَلوَى وكتب نصر بن سَيَّارٍ إلى ابن هبيرة أيّامَ تحرّكَ أمرُ السّواد بخُراسان‏:‏ من الوافر أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وميضَ جَمْرٍ فيوشكُ أن يكون له اضطرام فإنَّ النارَ بالعُودين تُذْكَى وإنّ الحربَ أوّلُها الكلام فإن كانُوا لِحِينِهِمُ نياماً فقُلْ قوموا فقد طال المنام وقال بعض المولَّدين من الوافر إذا نلتُ العطيَّةَ بَعْد مَطلٍ فلا كانت وإن كانت جَزيلهْ فسَقياً للعطيَّة ثمّ سَقياً إذا سَهُلت وإن كانت قليلهْ وللشُّعراء ألسنةٌ حِدادٌ على العَوْرات مُوفيةٌ دليلهْ ومِنْ عَقْل الكريم إذا اتّقاهُمْ ودارَاهُمْ مُداراةً جَميلهْ إذا وضَعُو ا مَكاويَهم عليهِ وإنْ كذَبوا فليس لهنَّ حيلهْ وقالوا‏:‏ مذاكَرة الرِّجال تلقيحٌ لألبابها ومما قالوا في صفة اللّسان قولُ الأسديّ أنشدنيها ابنُ الأعرابيّ‏:‏ من المتقارب وأصبحتُ أعددتُ للنّائبا - تِ عِرضْاً بريئاً وعَضْباً صقيلا ووقعَ لِسان كحدِّ السّنا - نِ ورُمحاً طويلَ القناة عَسُولا وقال الأعشى‏:‏ من الطويل وأدْفع عن أعراضكم وأُعيركم لساناً كمقراض الخَفاجيِّ مِلْحَبا إيّاك لا أُلْزِمَنْ لَحْيَيك لُجُمي نِكْلاً يُنَكِّل فَرّاصاً من اللُّجُمِ إني امرؤٌ لا أصوغُ الحَلْي تَعْمَلُهُ كَفّايَ لكنْ لساني صائغُ الكَلِم وقال الآخر‏:‏ من الرجز إنِي بغَيت الشِّعرَ وابتغاني حتَّى وجدتُ الشِّعر في مكاني في عَيْبةٍ مفتاحُها لِسَانِي وأنشد‏:‏ من الرجز إنِّي وإنْ كان رِدائي خَلَقا وبَرْنَكانِي سَمِلاً قد أخْلَقَا قد جَعل اللَّه لساني مُطْلَقا بسم اللَّه الرحمن الرحيم قال أبو عثمان‏:‏ والعتَّابيّ حين زعم أنّ كلَّ مَن أفهمك حاجتَه فهو بليغٌ لم يَعْنِ أنّ كلَّ مَن أفهمَنا مِنْ معاشر المُوَلَّدين والبلديِّين قَصْدَه ومعناه بالكلام الملحون والمعدول عن جهته والمصروف عن حقّه أنّه محكوم له بالبلاغة كيف كان بعد أن قد فهِمْنا معنى كلامِ النَّبَطيّ الذي قيل له‏:‏ لمَ اشتريتَ هذه الأتان قال‏:‏ أركبُها وتَلَد لي وقد علمْنا أنَّ معناه كان صحيحاً وقد فهمنا قول الشيخ الفارسي حين قال لأهل مجلسه‏:‏ ما من شرّ من دَيْن وأنه قال حين قيل وقد فهمنا معنى قول أبي الجَهِير الخراساني النخاس حين قال له الحجّاج‏:‏ أتبِيع الدوابّ المَعِيبَةَ من جُنْد السلطان قال‏:‏ شريكاننا في هوازها وشريكاننا في مداينها وكما تجيء نكون قال الحجّاج‏:‏ ما تقول ويلك قال بعضُ من قد كان اعتاد سماعَ الخَطَاءِ وكلام العُلوج بالعربيّةِ حتَّى صار يفهمُ مثلَ ذلك‏:‏ يقول‏:‏ شركاؤنا بالأهواز وبالمدائن يبعثون إلينا بهذه الدّوابّ فنحن نبيعُها على وُجوهها وقلت‏:‏ لخادمٍ لي‏:‏ في أيِّ صناعةٍ أسلموا هذا الغلام قال‏:‏ في أصحابِ سِنْد نِعال يريد‏:‏ في أصحاب النِّعال السِّندية وكذلك قولُ الكاتبِ المغلاق للكاتب الذي دُونَه‏:‏ اكتب لي قُل خَطَّين وريحني منه فمن زعم أنَّ البلاغةَ أن يكون السامعُ يفهمُ معنى القائِل جعل الفصاحةَ واللُّكنة والخطأَ والصّوابَ والإغلاق والإبانة والملحونَ والمُعْرب كله سواءً وكلَّه بياناً وكيف يكون ذلك كلُّه بياناً ولولا طولُ مخالطة السامع للعجَم وسماعِهِ للفاسد من الكلام لما عَرفَه ونحن لم نَفهم عنه إلا للنَّقص الذي فينا وأهلُ هذه اللُّغةِ وأربابُ هذا البيانِ لا يستدلُّون على معاني هؤلاء بكلامهم كما لا يعرفون رَطانة الرُّوميّ والصَّقلبي وإن كان هذا الاسم إنّما يستحقُّونه بأنَّا نَفهم عنهم كثيراً من حوائجهم فنحن قد نَفهم بحَمْحَمة الفَرَس كثيراً من حاجاته ونفهم بضغاء وإنّما عنى العتّابي إفهامَكَ العربَ حاجتَك على مَجاري كلام العرب الفُصَحاء وأصحابُ هذه اللغة لا يفقهون قول القائل مِنّا‏:‏ مُكرهٌ أخاكَ لا بطل و‏:‏ إذا عزَّ أخَاك فُهنْ ومَنْ لم يفهم هذا لم يفهم قولَهم‏:‏ ذهبتُ إلى أبو زيد ورأيت أبي عمرو ومتى وجد النحويُّون أعرابياً يفهم هذا وأشباهَه بَهْرَجُوه ولم يسمعوا منه لأنّ ذلك يدلُّ على طول إقامته في الدّار التي تُفسد اللُّغة وتنقُص البيان لأنّ تلك اللُّغة إنّما انقادت واستوت واطّردت وتكاملت بالخصال التي اجتمعت لها في تلك الجزيرة وفي تلك الجيرة ولفقد الخطاءِ من جميع الأمم ولقد كان بين زَيد بن كَثْوَة يومَ قِدم علينا البصرة وبينَه يوم مات بَونٌ بعيد على أنّه قد كان وضع منزلَه في آخر موضِع الفصاحة وأوّلِ موضع العُجمة وكان لا ينفكُّ من رواةٍ ومُذَاكِرين وزعم أصحابنا البَصريُّون عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال‏:‏ لم أر قَرويَّينِ أفصح من الحسن والحجّاج وكان - زعموا - لا يبرِّئهما من اللحن وزعم أبو العاصي أنّه لم يَرَ قَرويّاً قط لا يلحن في حديثه وفيما يجري بينه وبين الناس إلاّ ما تفقّده من أبي زيد النحويّ ومن أبي سعيد المُعلّم وقد رَوَى أصحابُنا أنّ رجلاً من البلديِّين قال لأعرابيّ‏:‏ كيف أهْلِكْ قالها بكسر اللام قال الأعرابيُّ‏:‏ صَلْباً لأّنه أجابه على فَهمه ولم يعلم أنه أراد المسألة عن أهله وعيالِه وسمعت ابن بَشيرٍ وقال له أبو المفضّل العنْبريّ‏:‏ إني عَثَرت البارحةَ بكتابٍ وقد التقطته وهو عندي وقد ذكروا أنّ فيه شعراً فإنْ أردتَه وهبته لك قال ابن بَشير‏:‏ أريده إن كان مقيّداً قال‏:‏ واللَّه ما أدري أمقيَّدٌ هو أم مغْلول ولو عرف التَّقييد لم يلتفت إلى روايته وحكى الكسائِي أنّه قال لغلامٍ بالبادية‏:‏ من خَلَقْك وجزم القاف فلم يدْرِ ما قال ولم يجِبْه فردَّ عليه السؤالَ فقال الغلام‏:‏ لعلك تريد مَن خلقَك وكان بعضُ الأعراب إذا سمع رجلاً يقول نعم في الجواب قال‏:‏ نَعَمٌ وشاءٌ لأنّ لغتَه نَعِمْ وقيل لعُمر بن لجأ‏:‏ قُل إنّا من المجرمين منتقمِين قال‏:‏ ‏"‏ إنّا مِنَ المجرِمين منتقِمُون ‏"‏ السجدة‏:‏ 22 وأنشد الكسائي كلاماً دار بينه وبين بعض فتيان البادية فقال‏:‏ من الرمل عَجَباً مَا عَجَبٌ أعجبني من غُلامٍ حَكَمِيّ أُصُلا قلت هل أحسست رَكباً نَزَلُوا حَضَناً ما دونَه قال هَلا قلت بَيِّن ما هَلاَ هل نزلوا قال حَوباً ثم ولّى عَجلا لستُ أدري عندها ما قال لي أنَعم ما قال لي أم قال لا تلك منه لغةٌ تعجبني زادت القلب خبالا خَبَلا قال أبو الحسن‏:‏ قال مولى زيادٍ‏:‏ أهدَوا لنا هِمارَ وَهْش قال‏:‏ أيَّ شيءٍ تقولُ ويْلَك قال‏:‏ أهدَوْا لنا أيراً يريد‏:‏ أهدَوْا لنا عَيراً قال زياد‏:‏ ويلَك الأَوَّلُ خَير وقال الشّاعر يذكر جاريةً له لَكناء‏:‏ أكثَرُ ما أسمَعُ منها بالسَّحَرْ تذكيرُها الأُنْثى وتأنيثُ الذكرْ والسَّوأة السَّوآءُ في ذِكر القَمَر فزيادٌ قد فهم عن مولاه والشاعر قد فهم عن جاريته ولكنهما لم يفهما عنهمُا من جهة إفهامهما لهما ولكنَّهما لمّا طال مُقامهما في الموضع الذي يكثُر فيه سماعُهما لهذا الضَّرب صارا يفهمان هذا الضَّربَ من الكلام

  ذكر ما قالوا في مديح اللسان بالشعر الموزون واللفظ المنثور وما جاء في الأثر وصحّ به الخبر

قال الشاعر‏:‏ من الطويل أرى النّاس في الأخلاق أهلَ تخلُّقٍ وأخبارُهم شَتَّى فعُرْف ومُنكَرُ قريباً تدانِيهمْ إذا ما رأيتَهم ومختلفاً ما بينهم حين تَخْبُرُ فلا تحمَدنَّ الدَّهرَ ظاهرَ صفحةٍ مِن المرء ما لم تَبْلُ ما ليس يَظهرُ وما الزَّين في ثوب تراه وإنَّما يَزِينُ الفتى مخبُورهُ حين ىُخبَرُ فإنْ طُرَّةٌ راقَتْك مِنه فرُبّما أَمرَّ مَذَاقُ العُود والعودُ أَخضرُ وقال سُويد بنُ أبي كاهلٍ في ذلك‏:‏ من الرمل وَدَعَتْني بِرُقاها إنها تُنزلُ الأعصمَ من رأسِ اليَفَعْ تُسْمعُ الحُدَّاثَ قولاً حسناً لو أرادُوا مِثلَه لم يُسْتَطَعْ ولساناً صَيْرَفّياً صارماً كذُباب السَّيف ما مَسّ قَطَعْ وقال جرير‏:‏ من الطويل وليس لِسَيفي في العظام بقِيّةٌ ولَلسَّيْفُ أشْوى وقعةً من لسانيا وقال آخر‏:‏ من الوافر وجُرحُ السَّيف تَدمُلُه فَيبْرَا ويبقى الدَّهرَ ما جَرَحَ اللِّسانُ وقال آخر‏:‏ من البسيط أبا ضُبيعةَ لا تَعْجَل بسيِّئةٍ إلى ابن عمك واذكُرْه بإحسانِ إمَّا تَرَانِي وأثوابي مُقاربَةٌ ليست بخَزٍّ ولا من حُرِّ كَتَّانِ وفيما مدحوا به الأعرابيَّ إذا كان أديباً أنشدني ابنُ أبي كريمة أو ابنُ كَريمة واسمه أسود‏:‏ من الطويل ألا زعمَتْ عَفراءُ بالشّام أنَّني غُلامُ جَوارٍ لا غلامُ حُرُوب وإنِّي لأهْذِي بالأوانِسِ كالدُّمَى وإنِّي بأطراف القَنا لَلَعوبُ وإني على ما كان من عُنْجهُيَّتي ولُوثة أعرابيَّتِي لأديبُ وقال ابن هَرْمة‏:‏ من الكامل للَّه دَرُّكَ مِن فتىً فَجَعَت به يومَ البَقيعِ حوادثُ الأيّامِ هَشٌّ إذا نَزَلَ الوفودُ ببابِه سهلُ الحجاب مؤدَّبُ الخُدّامِ فإذا رأيتَ شقيقَه وصديقَه لم تدرِ أيُّهما أخُو الارحامِ وقال كعبُ بن سعدٍ الغَنَويّ‏:‏ من الطويل حبيبٌ إلى الزُّوَّار غِشيان بَيْتِهِ جميلُ المُحَيَّا شَبَّ وهو أديبُ إذا ما تراءاه الرِّجال تحفَّظُوا فلم تُنْطقِ العوراءُ وهو قريبُ وقال الحارثيّ‏:‏ من الطويل وتَعلَم أنِّي ماجدٌ وتَرُوعُها بَقيةُ أعرابيّةٍ في مُهاجِرِ وإنّ امرأَ في النّاس يُعطَى ظُلامَةً ويمنَعُ نِصْفَ الحقِّ منه لراضِعُ أألموتَ يَخْشَى أثكَلَ اللَّهُ أمَّه أم العيشَ يرجو نَفْعَه وهو ضائعُ ويَطْعَمُ ما لم يندفِعْ في مَريئِهِ ويمسح أعْلَى بطنِه وهو جائعُ وإنّ العقولَ فاعلمَنَّ أسنَّةٌ حِدَادُ النَّواحِي أرهفَتْها المواقِعُ ويقولون‏:‏ كأنّ لسانه لسانُ ثور وحدثَّنِي مَن سمِع أعرابيّاً يمدح رجلاً برِقّة اللسان فقال‏:‏ كانَ واللَّه لسانُه أرقَّ من وَرَقةٍ وأليَنَ من سَرقَة وقال النبيِّ صلى الله عليه وسلم لحسّانَ بنِ ثابت‏:‏ ما بَقِيَ من لسانك فأخرجَ لسانَه حتَّى ضربَ بطرَفه أرنَبَتَه ثمّ قال‏:‏ واللّه مايَسُرُّني به مِقولٌ من مَعدٍّ واللَّه أَن لو وضعتُه على حَجَرٍ لفلقَه أو على شَعرٍ لَحَلَقه قال‏:‏ وسمعتُ أعرابيّاً يصف لسانَ رجلٍ فقال‏:‏ كان يَشُولُ بلسانه شَوَلانَ البَرُوق ويتخلّل به تخلّل الحيّة وأظنّ هذا الأعرابيَّ أبا الوجيه العُكليّ يشول‏:‏ يرفع البروق‏:‏ الناقة إذا طلبت الفَحل فإنّها حينئذ ترفع ذنبها وإنّما سُمِّي شوّال شوّالاً لأنّ النُّوق شالت بأذنابها فيه فإن قال قائل‏:‏ قد يتفق أن يكون شوّالٌ في وقتٍ لا تشول الناقة بذَنبها فيه فلم بقيَ هذا الاسم عليه وقد ينتقل ما له لزم عنه قيل له‏:‏ إنما جعل هذا الاسم له سمة حيث اتّفق أنّ شالت النُّوق بأذنابها فيه فبقي عليه كالسِّمة وكذلك رمضان إنما سمِّي لرَمَض الماء فيه وهو في شدّة الحرّ فبقي عليه في البرد وكذلك ربيعٌ إنّما سميّ لرعيهم الرَّبيع فيه وإن كان قد يتّفق هذا الاسم في وقت البرد والحرّ قال‏:‏ ووصَف أعرابيٌّ رجلاً فقال‏:‏ أتيناه فأخرَجَ لسانَه كأنّه مِخراقُ لاعب قال‏:‏ وقال العبّاس بن عبد المطلب للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول اللَّهِ فيم الجمَالُ قال في اللِّسان قال‏:‏ وكان مجاشع بن دارم خطيباً سَلِيطاً وكان نهشلٌ بكيئاً مَنْزُوراً فلمّا خرَجَا مِن عند بعض الملوك عذَله مجاشعٌ في تركِه الكلامَ فقال له نهشل‏:‏ إنِّي واللّه لا أحسِنُ تَكذابَك ولا تأثامك تشولُ بلسانك شَوَلانَ البَرُوق وتَخَلّلُ تخلُّلَ الباقرة وقالوا‏:‏ أعلى جميع الخَلْق مرتبةً الملائكة ثم الإنس ثم الجنّ وإنما صار لهؤلاءِ المزِيّةُ على جميع الخلق بالعقل وبالاستطاعة على التصرُّف وبالمنطق قال‏:‏ وقال خالد بنُ صفوان‏:‏ ما الإنسانُ لولا اللِّسانُ إلاّ صورةٌ ممثّلةٌ أو بهيمةٌ مهمَلةٌ قال‏:‏ وقال رجلٌ لخالد بن صفوان‏:‏ ما لي إذا رأيتُكم تتذاكرون الأخبار وتتدارسون الآثار وتتناشدون الأشعار وقع عليَّ النَّوم قال‏:‏ لأنّك حمار في مسلاخ إنسان وقال صاحب المنطق‏:‏ حدُّ الإنسانِ الحيُّ الناطق المُبِين وقال الأعور الشَّنّيُّ‏:‏ من الطويل وكائنْ تَرى مِن صامتٍ لك مُعجبٍ زيادتُه أو نقصُه في التَّكَلُّم ولما دخل ضَمْرة بن ضَمْرة على النُّعمان بن المنذر زَرَى عليه للذي رأى مِن دَمامته وقِصَرِه وقِلّته فقال النُّعمان‏:‏ تَسْمَعُ بالمُعَيْديِّ لا أنْ تراه فقال‏:‏ أبيتَ اللّعنَ إنّ الرّجالَ لا تُكال بالقُفْزان ولا تُوزَن بالميزان وليست بمُسوكٍ يُستَقَى بها وإنَّما المرء بأصغريه‏:‏ بقلبه ولسانه إن صالَ صال بِجَنَانٍ وإن قال قال بِبَيان واليمانِيَة تجعل هذا للصَّقْعب النهديّ فإن كان ذلك كذلك فقد أقرُّوا بأنّ نهداً من مَعَدٍّ وكان يقال‏:‏ عقلُ الرّجُل مدفون تحتَ لسانه

  وباب آخر في ذكر اللسان

أبو الحسن‏:‏ قال‏:‏ قال الحسن‏:‏ لِسان العاقل مِن وراء قلبِه فإذا أراد الكلامَ تفكَّر فإن كان له قالَ وإن كان عليه سكَت وقَلْبُ الجاهل من وراء لسانِه فإنْ همَّ بالكلام تكلَّم به له أو عليه قال أبو عبيدة‏:‏ قال أبو الوَجيه‏:‏ حدثَّني الفرزدق قال‏:‏ كُنَّا في ضيافة معاويةَ بن أبي سفيان ومعنا كعب بن جُعَيْل التَّغلبيُّ فقال له يزيد‏:‏ إنّ ابن حَسّان - يريد عبد الرحمن بن حسّان - قد فَضَحَنا فاهجُ الأنصارَ قال‏:‏ أرادِّي أنت إلى الإشراك بعد الإيمان لا أهجُوَ قوماً نَصَرُوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولكننِّي أدلُّك على غلامٍ مِنّا نَصرانيّ كأنّ لسانَه لسانُ ثور يعني الأخطل وقال سَعْدُ بنُ أبي وقّاص لعُمَر ابنِه حين نَطَقَ مع القوم فبذَّهُم وقد كانوا كلَّموه في الرّضا عنه قال‏:‏ هذا الذي أغضَبَني عليه أنِّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ يكون قومٌ يأكلون الدُّنيا بألسِنَتهم كما تَلْحَس الأرضَ البقرةُ بلسانها قال‏:‏ وقال معاويةُ لعمرو بن العاصِي‏:‏ يا عمر إنّ أهل العراق قد أكرَهُوا عليّاً على أبي موسى وأنا وأهلُ الشّام رَاضُونَ بك وقد ضُمَّ إليكَ رجلٌ طويلُ اللِّسان قصير الرَّأي فأجِد الحزَّ وطبِّق المَفْصِل ولا تَلْقَه برأيِكَ كُلِّه والعجَب من قول ابن الزُّبير للأعراب‏:‏ سلاحُكم رَثٌّ وحديثكم غَثُّ وكيف يكون هذا وقد ذَكَرُوا أنّه كان مِن أحسَن النَّاس حديثاً وأن أبا نَضرَة وعُبيد اللَّه بن أبي بَكرةَ إنّما كانا يحكيانه فلا أدرِي إلاّ أن يكون حُسْن حديثه هو الذي ألقى الحسدَ بينه وبين كلِّ حَسَنِ الحديث وقد ذكَرُوا أنّ خالدَ بن صفوانَ تكلَّم في بعض الأمر فأجابه رجلٌ من أهل المدينة بكلامٍ لم يظنَّ خالدٌ أنّ ذلك الكلامَ كان عنده فلما طال بهما المجلسُ كأنَّ خالداً عرَّض له ببعضِ الأمر فقال المدنيّ‏:‏ يا أبا صفوان ما لي من ذنبٍ إلا اتِّفاق الصناعتين ذكر ذلك الأصمعيّ قال فَضّالٌ الأزرق‏:‏ قال رجلٌ من بني مِنْقرٍ‏:‏ تكلَّم خالد بن صفوان في صُلحِ بكلامِ لم يسمع النّاس قبلَه مِثلَه فإذا أعرابيٌّ في بَتٍّ ما في رجليه حذاء فأجابه بكلامٍ ودِدتُ واللَّه أنّي كنت مُتَّ وأنَّ ذلك لم يكُنْ فلمّا رأى خالدٌ ما نَزَلَ بي قال‏:‏ يا أخا مِنقر كيف نُجاريهِمْ وإنَّما نحكيهم وكيف نُسابقُهم وإنما نَجرِي على ما سَبقَ إلينا من أعراقِهِم فليُفْرخ روعُكَ فإنّه من مَقاعِسٍ ومُقَاعِسٌ لك فقلت‏:‏ يا أبا صفوان واللَّه ما ألُومُك على الأولى ولا أدعُ حَمْدَك على الأُخْرى قال أبو اليقظان‏:‏ قال عمر بن عبدِ العزيز‏:‏ ما كلّمني رجلٌ من بين أسدٍ إلا تمنَّيت أن يُمدّ له في حُجَّتِهِ حتَّى يكثُرَ كلامه فأسمعَه وقال يونُسُ بنُ حبيبٍ‏:‏ ليس في بني أسدٍ إلاّ خطيبٌ أو شاعر أو قائف أو زاجر أو كاهن أو فارس قال‏:‏ وليس في هذيلٍ إلاَّ شاعرٌ أو رامٍ أو شديدُ العَدْو التَّرجُمان بن هُرَيمْ بن عديّ بن أبي طَحْمَةَ قال‏:‏ دُعي رَقَبة بنُ مَصْقَلة أو كَرِب ابن رقبة إلى مجلسٍ ليتكلّم فيه فرأى مكانَ أعرابيّ في شَمْلَةٍ فأنكر موضعَه فسأل الذي عن يمينه عنه فخبّره أنّه الذي أعدُّوه لجوابِه فنهض مسرعاً لا يَلْوِي على شيءٍ كراهةَ أن يُجمعَ بين الدِّيباجتين فيتَّضع عند الجميع وقال خَلاّد بن يَزِيد‏:‏ لم يكن أحدٌ بعد أبي نَضرة أحسَنَ حديثاً من سَلْم بن قُتَيبة قال‏:‏ وكان يزيد بن عمر بن هُبيرة يقول‏:‏ احذِفوا الحديث كما يحذِفُه سَلْم بن قتيبة ويزعمون أنَّهم لم يَرَوْا محدِّثاً قطُّ صاحبَ آثارٍ كان أجودَ حَذْفاً وأحسن اختصاراً للحديث من سفيانَ بن عُيينة سألوه مَرَّةً عن قول طاوُسٍ في ذكاة الجراد فقال‏:‏ ابنُه عنه‏:‏ ذكاتُه صَيْدُه وكانوا يمدحون شِدّةَ العَارضة وقوةَ المُنَّة وظهورَ الحُجَّة وثَباتَ الجَنَانِ وكثرةَ الرِّيق والعلُوَّ على الخَصْم ويهْجُون بخلافِ ذلك قال الشَّاعر‏:‏ من الطويل طَباقاء لم يشهد خُصوماً ولم يَعِش حميداً ولم يشهد حِلاَلاً ولا عِطْرَا وقال أبو زُبَيدٍ الطائيّ‏:‏ من الخفيف وخطيب إذا تمَعَّرَت الأو - جُهُ يوماً في مَأقِطٍ مَشهودٍ طَباقاء يقال للبعير إذا لم يُحْسِن الضِّراب‏:‏ جَملٌ عَياياء وجمل طَبَاقاء وهو هاهنا للرَّجُل الذي لا يتّجِه للحجّة الحِلاَل‏:‏ الجماعات ويقال‏:‏ حيٌّ حِلاَلٌ إذا كانوا متجاوِرِين مقيمين والعِطرُ هُنا‏:‏ العُرْسُ المأقط‏:‏ الموضع الضيّق والمأقِط‏:‏ الموضع الذي يُقتَتَل فيه وقال نافعُ بن خليفةَ الغَنَويّ‏:‏ من الطويل وخَصْمٍ لَدَى بابِ الأمير كأنهمْ قُرُومٌ فَشَا فيها الزَّوائرُ والهَدْرُ دَلَفْتُ لهم دُونَ المُنَى بملمّةٍ من الدُّر في أعقاب جَوْهَرِها شَذرُ إذا القومُ قالوا أَدْنِ منها وجدتُها مُطَبِّقةً يهماءَ ليس لها خَصْرُ القُرُوم‏:‏ الجِمَالُ المصاعب الزوائر‏:‏ الذين يزئرون والهَدْرُ‏:‏ صوته عند هَيْجه ويقال له الهَدِيرُ دلفت أي نهضتُ نهوضاً رُوَيداً والدَّليف‏:‏ المشيُ الرُّوَيْد قوله‏:‏ أدْنِ منها أي قلِّلْها واختصِرْها وجدتُها مُطَبِّقة أي قد طَبَّقَتهم بالحُجَّة واليهماء‏:‏ الأرض التي لا يُهتدَى فيها لطرِيقٍ ويهماء هاهنا يعني التي لا يُهتدَى إليها ويضل الخصومُ عِندَها والأيهمُ من الرجال‏:‏ الحائر الذي لا يهتدي لشيءٍ وأرضٌ يهماء إذا لم يكنْ فيها علامة وقال الأسْلَعُ بن قصافٍ الطُّهَوِيّ‏:‏ من الطويل فِداءٌ لقومي كُلُّ معشَرِ جارِم طريدٍ ومَخْذولٍ بما جَرَّ مُسْلَمِ همُ أفحَمُوا الخَصْم الذي يستقيدُني وهمْ فَصَموا حِجلْي وهم حقَنُوا دمي بأيدٍ يُفَرِّجن المضيق وألْسُنٍ سِلاطٍ وجمعٍ ذي زُهاءٍ عَرَمْرَمِ إذا شِئْتَ لم تَعْدَمْ لدى الباب منهم جميلَ المُحَيَّا واضحاً غيرَ توأم الزُّهاء‏:‏ الكثرة هاهنا والعرمْرَم من العَرامة وهي الشَّراسة والشدّة التَّوْأمان‏:‏ الأخَوانِ المولودانِ في بطن وقال التميميُّ في ذلك‏:‏ من الرجز أما رأيت الألْسُنَ السِّلاطَا والجاهَ والإقدامَ والنَّشَاطَا إن النَّدَى حيث ترى الضِّغاطَا ذهب في البيت الأخير إلى قولِ الشاعر‏:‏ من الخفيف يسقط الطير حيث ينتثر الح - بُّ وتُغْشَى مَنازلُ الكرماءِ يرفَضُّ عن بيت الفقير ضُيوفُه وترى الغِنَى يَهدِي لك الزُّوَّارَا وأنشدُوا في المعنى الأول‏:‏ من الكامل وخطيبِ قومٍ قَدَّمُوه أمامَهمْ ثقةً به مُتَخَمِّطٍ تَيّاحِ جاوبْتُ خُطبتَه فظَلَّ كأنَّه لَمَّا خَطبتُ مملحٌ بِملاَح المخمِّط‏:‏ المتكبِّر مع غَضَب والتَّيّاح‏:‏ المِتْيَحُ الذي يَعرِض في كلِّ شيءٍ ويدخُل فيما لا يعنيه وقوله مملَّحٌ بِملاح أي متقبِّض كأنه مُلِّح من الملح وأنشد أيضاً‏:‏ من الوافر أرقتُ لضَوء بَرق في نَشَاصِ تلألأ في مُمَلأة غِصاصِ النشاص‏:‏ السّحَاب الأبيضُ المرتفع بعضه فوقَ بعض وليس بمنبسط تلألأ التلألؤُ‏:‏ البَرْق في سُرعةٍ ممّلأة بالماءِ غِصَاص‏:‏ قد غُصَّت بالماء لواقِحَ دُلَّحٍ بالماء سُحْمٍ تمجُّ الغَيثَ من خَلَلِ الخَصَاص اللواقح‏:‏ التي قد لقحتْ من الرِّيح والدُّلَّح‏:‏ الدانية الظاهرةُ المثقلة بالماء سُحم‏:‏ سود والخَصاص هاهنا‏:‏ خَلَل السحاب من الوافر سَلِ الخطباءَ هل سَبَحُوا كسَبْحِي بحُورَ القَولِ أو غَاصُوا مَغاصِي لساني بالنَّثير وبالقَوافِي وبالأسجاع أمهَرُ في الغِواصِ مِن الحُوت الذي في لُجِّ بحرٍ مُجيدِ الغوْص في لُجَج المَغَاص لعمرُكَ إنَّني لأٌعِفُّ نفسي وأستُر بالتكرُّم من خَصاصي وأنشد لرجلٍ من بني ناشب بن سلامة بن سعد بن مالك بن ثعلبة‏:‏ من الوافر لنا قَمَرُ السَّماءِ وكلُّ نجمٍ يُضِيءُ لنا إذا القَمرانِ غارا ومَن يَفْخَر بغير ابنَيْ نِزارٍ فليس بأوَّل الخطباءِ جارا وأنشد للأقرع‏:‏ من البسيط إنِّي امرؤٌ لا أُقيلُ الخصْمَ عَثْرتَهُ عندَ الأمير إذا ما خَصمُه ظلعا يُنِير وَجْهِي إذا جَدَّ الخِصامُ بنا ووَجْهُ خَصمِي تراه الدّهرَ مُلْتَمَعا وأنشد‏:‏ من الطويل تراه بنصري في الحفيظة واثقاً وإنْ صَدَّعني العينُ منه وحاجبُه وإن خَطَرتْ أيدي الكُماة وجدتَنِي نَصُوراً إذا ما استيبَسَ الرِّيقَ عاصبُه عاصبه‏:‏ يابسه يعتصم به حتَّى يُتمّ كلامَه الكماةُ‏:‏ جمع كميّ والكميّ الرجل المتكمِّي بالسلاح يعني المتكفِّر به المتستِّر ويقال كَمَى الرّجلُ شهادتَه يكْمِيها إذا كتَمَها وسترها وقال ابنُ أحْمَرَ وذَكر الريقَ والاعتصامَ به‏:‏ من البسيط وقال الزُّبير بن العوّام وهو يُرقِّص عروةَ ابنَه‏:‏ من الرجز أبيضُ مِن آل أبي عَتِيقِ مباركٌ من وَلَد الصِّدِّيق ألَذُّه كما ألَذُّ ريقي وقالت امرأة من بني أسد‏:‏ من الطويل ألاَ بَكَر النَّاعِي بخَيْرِ بني أسَدْ بعمرو بنِ مسعودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَد فمن كانَ يَعْيَا بالجوابِ فإنّه أبو مَعقلٍ لا حَجْرَ عنه ولا صدَدْ أثارُوا بصَحراء الثَّويّة قَبرَه وما كنتُ أخْشَى أن تَنَاءَى به البَلدْ تَناءى‏:‏ تبعُد والثَّويّة‏:‏ موضعٌ بناحية الكوفة ومن قال الثُّوَيَّة فهي تصغير الثَوِيَّة وقال أوسُ بن حَجَرٍ في فَضَالَة بن كَلَدَة‏:‏ من الطويل أبا دُلَيجَة مَن يُوصَى بأرمَلَةٍ أم مَنْ لأشعثَ ذِي طِمرَيْن طِمْلال أمْ مَن يكون خَطيبَ القوم إن حَفَلوا لَدَى الملوك أُولي كَيدٍ وأقوالِ وهدمين وهما ثوبان خَلَقان يقال ثوبٌ أهدامٌ إذا كان خَلَقاً والطِّمْلاَلُ‏:‏ الفقير وقال أيضاً فيه‏:‏ من المتقارب أَلَهفِي عَلَى حُسْنِ آلائهِ على الجابِرِ الحيَّ والحاربِ ويَكفي المقالَةَ أهْلَ الدِّحا - لِ غيرَ مَعيبٍ ولا عائب رقبته أي انتظاره إذنَ الملوك وجعلَه بين السُّرَادِقِ والحاجب لِيُدلَّ على مكانته من الملوك وأنشد أيضاً‏:‏ من الطويل وخَصم غضَابٍ يُنْغِضُون رؤوسَهمْ أولِي قَدَمٍ في الشَّغْبِ صُهبٍ سِبَالُها ضَربْتُ لهم إبْطَ الشِّمال فأَصْبَحت يُردُّ غواةً آخَرِين نَكالها إبْط الشمال يعني الفؤاد لأنّه لا يكون إلاّ في تلك الناحية وقال شُتَيم بن خُويلِد‏:‏ من المتقارب وقلتُ لسَيِّدِنا يا حلي - مُ إنّك لم تَأسُ أسْواً رفيقا أعنْتَ عدِيّاً على شأْوها تُعادِي فريقاً وتُبقي فَرَيقا زحَرْت بها ليلةً كُلَّها فجِئْت بها مُؤْيِداً خَنْفَقيقا تأسُو‏:‏ تُدَاوِي أَسْواً وأسىً مصدران والآسي‏:‏ الطّبيب ومُؤيِد‏:‏ داهية خَنْفَقيق‏:‏ داهيةٌ أيضاً الشَّأو‏:‏ الغَلْوَةُ لركض الفَرَس وأنشد لآدَمَ مَولَى بَلْعَنبر يقولها لابنه‏:‏ من الرجز يا بأبي أنتَ ويا فَوقَ البِئَبْ يا بأَبي خُصْيُكَ من خُصْي وزُبّ أنت الحبيب وكذا قول المحبّ جَنَّبَكَ اللَّه مَعاريضَ الوصَبْ حتى تُفِيدَ وتُداوِي ذَا الجرَبْ وذا الجُنونِ من سُعالٍ وكَلَبْ عَلَى مَباهِيرَ كثيراتِ التّعَبْ وإن أراد جَدِلٌ صَعْبٌ أرِبْ خُصُومةً تثقب أوساطَ الرُّكب أضْلَعْتَهُ من رَتَب إلى رَتَبْ حتّى ترَى الأبصارَ أمثالَ الشُّهُبْ يُرْمَى بها أَشْوسُ ملحاحٌ كَلِبْ مجرّبُ الشَّدَّات ميمونٌ مِذَبّ الوَصَبُ‏:‏ المر والعَصِب‏:‏ الشّديد يقال‏:‏ يَوْمٌ عَصِبٌ وعصيبٌ وعَصَبْصَبٌ إذا كان شديداً مَبَاهير‏:‏ مَتَاعيب قد علاهم البُهْر أَرِبٌ يقال‏:‏ رجلٌ أريب وأرِبٌ وله إرْبٌ إذا كان عاقلاً أديباً حازماً أظلعتَهُ يقال‏:‏ ظلَع الرّجلُ إذا خَمَع في مَشْيِه الرَّتَبَة‏:‏ واحدة الرَّتَب والرَّتَبات وهي الدَّرَج أي تُخْرجه مِن شيءٍ إلى شيء والأشوس‏:‏ الذي ينظر بمؤخِرِ عينه مِلحاح‏:‏ مُلِحٌّ من الإلحاح على الشّيء كَلِبٌ أي الذي قد كَلِبَ مِذَبٌّ‏:‏ أي يذبُّ عن حريمه وعن نفسه وقالت ابنةُ وَثيمةَ ترثِي أباها وَثيمةَ بن عثمان‏:‏ من الكامل الواهب المالَ التِّلاَ - دَ ندىً ويكفينا العَظيمَهْ ويكون مِدْرَهَناً إذا نَزَلَتْ مجلِّحَةٌ عَظيمَهْ واحْمَرَّ آفاق السّما - ء ولم تقَعْ في الأرض دِيمهْ وتَعذَّر الآكالُ ح - تَّى كانَ أَحْمَدَها الهَشِيمَهْ ألفيتَه مَأوى الأرا - مِل والمدَفّعةِ اليتيمهْ والدافِعَ الخَصِمَ الأَلدَّ إذا تُفُوضِحَ في الخُصُومهْ بلسان لُقمانَ بن عا - دَ وفصل خُطْبته الحكيمهْ ألجمتَهُمْ بعد التدا - فُع والتجاذُب في الحُكومَهْ التِّلادُ‏:‏ القديم من المال والطارف‏:‏ المستفاد والمِدْرَه‏:‏ لسان القوم المتكلِّم عنهم مجلِّحةٌ أي داهية مصمِّمة احمرَّ آفاقُ السّماء أي اشتدّ البرد وقَلّ المطرُ وكثر القَحْط ودِيمةٌ‏:‏ واحدةُ الدِّيَمِ وهي الأمطار الدائمة مع سكون تعذّر‏:‏ تمنّع الآكال‏:‏ جمع أُكْل وهو ما يؤكل والهَشِيمَةُ‏:‏ ما تَهشّم من الشّجَر أي وقع وتكسَّر الثلِّة‏:‏ الضأن الكثيرة ولا يقال للمِعزى ثَلّة ولكن حَيْلةٌ فإذا اجتمعت الضّأْن والمِعزي قيل لهما‏:‏ ثَلّة مُسِيمةٌ أي صارت في السَّوْمِ ودخلت فيه والسَّوْمُ‏:‏ الرعي وسامَت تسوم أي رعت تَرْعَى ومنه قوله اللَّه‏:‏ ‏"‏ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ‏"‏ النحل‏:‏ 01 وكانت العربُ تُعظِّم شأْنَ لُقمانَ بن عادٍ الأكبرِ والأصغرِ لُقيم بنِ لُقمان في النَّباهة والقَدْر وفي العلم والحُكْم وفي اللِّسان والحِلْم وهذان غيرُ لقمانَ الحكيم المذكور في القرآن على ما يقوله المفسِّرون ولارتفاع قدْره وعِظَم شأنِه قال النَّمر بنُ تولَب‏:‏ من المتقارب لُقَيمُ بنُ لُقْمان من أُخته فكان ابنَ أختٍ له وابنَما فَغُرَّ بها رَجُلٌ مُحْكِمٌ فجاءت به رجُلاً مُحْكِما وذلك أنّ أُختَ لقمان قالت لامرأةِ لقمان‏:‏ إنِّي امرأةٌ مُحْمقَةٌ ولقمانُ رجُلٌ مُحْكمٌ مُنْجِبٌ وأنا في ليلة طُهْري فَهَبي لي ليلتَك ففعلَتْ فباتت في بيت امرأةِ لقمان فوقع عليها فأحبلَها بلُقَيمٍ فلذلك قال النّمر بن تولب ما قال والمرأة إذا ولدت الحَمْقى فهي مُحْمِقَةٌ ولا يعلم ذلك حتى يَرَى ولَدُ زَوجِها من غيرها أكياساً وقالت امرأةٌ ذاتُ بنات‏:‏ من الرجز وما أبالِي أنْ أكونَ مُحمِقَه إذا رأيتُ خُصْيةً مُعلَّقَه وقال آخر‏:‏ من البسيط أزْرى بسَعْيِكَ أنْ كنتَ امرأً حَمِقاً من نسل ضاويَةِ الأعراق مِحماقِ ضاوية الأعراق أي ضعيفة الأعراق نحيفتُها يقال‏:‏ رجلٌ ضاو وفيه ضاويّةٌ إذا كان نحيفاً قليلَ الجسم وجاء في الحديث‏:‏ اغتربُوا لا تُضْوُوا أي لا يتزوَّجِ الرّجل القرابَة القريبة فيجيءَ ولدُه ضاوياً والفعل منه ضَوِيَ يَضْوَى ضَوىً والأعراقُ‏:‏ الأصول والمحماقُ‏:‏ التي عادتها أن تلد الحمْقَى ولبُغْضِهم البناتِ قالت إحدى القوابل‏:‏ أيا سَحابُ طَرِّقي بخيْرِ وطَرِّقِي بخُصْيةٍ وأيْرِ عفاريتاً عَلَيّ وأخْذَ مالي وعَجزاً عَن أُناسٍ آخرينا فهلاَّ غيْرَ عَمِّكُم ظَلَمتُمْ إذا ما كنتمُ متظلّمِينا فلو كُنْتُم لكيِّسةٍ أكاسَتْ وكَيْس الأُمِّ أكْيَسُ للبَنِينا ولكن أمُّكم حَمُقَتْ فجئتم غثاثاً ما نَرَى فيكمْ سَمِينا وكان لنا فَزَارةُ عَمَّ سَوءٍ وكنتُ له كشَرّ بني الأَخِينا ولبُغْضِ البناتِ هجَر أبو حمزةَ الضبيُّ خَيْمةَ امرأتِه وكان يَقِيلُ ويَبيتُ عند جيرانٍ له حينَ ولدت امرأتُه بنتاً فمرّ يوماً بخبائها وإذا هي ترقّصُها وتقول‏:‏ من الرجز ما لأبي حمزةَ لا يأتِينا يظلُّ في البيت الذي يَلِينا غَضْبانَ ألاّ نلد البَنينا تاللَّه ما ذلك في أيدينا وإنّما نأخُذُ ما أُعطِينا ونحن كالأرض لزراعينا نُنبتُ ما قد زرَعُوه فينا قال‏:‏ فغَدَا الشّيخُ حتّى ولَجَ البيتَ فقبَّلَ رأسَ امرأتِه وابنتها وهذا الباب يقع في كتاب الإنسان وفي فصْل ما بين الذَّكَر والأنثى تامّاً وليس هذا البابُ مما يدخل في باب البيان والتَبْيين ولكن طال لبعض العلم كان ذلك أرْوَحَ على قلبه وأزيَدَ في نشاطِه إن شاء اللَّه وقد قال الأول في تعظيم شأن لُقَيم بن لقمان‏:‏ من البسيط قومِي اصبَحِيني فما صِيغَ الفتى حجراً لكنْ رَهينَةَ أحجارٍ وأرمَاسِ قومي اصبَحيني فإنّ الدهرَ ذو غِيَرٍ أفنى لقيماً وأفنَى آل هِرماسِ اليوم خَمرٌ ويَبْدُو في غدٍ خَبرٌ والدّهرُ من بين إنعامٍ وإبْآسِ فاشرَبْ على حَدَثان الدّهرِ مرتفِعاً لا يصحَبُ الهَمُّ قَرعَ السِّنِّ بالكاسِ وقال أبو الطَّمَحان القينيّ في ذكر لُقمان‏:‏ من البسيط إن الزمان لا تفنى عجائبه فيه تقطع ألوف وأقران أمْسَتْ بنو القَين أفراقاً موزَّعةً كأنّهمْ من بقايا حيِّ لقمانِ وقد ذكرت العربُ هذه الأممَ البائدة والقرونَ السالفة ولبعضهم بقايا قليلةٌ وهم أشلاءٌ في العرب متفرّقون مغمورون مثل جُرهُم وجاسم ووَبار وعِملاق وأَميم وطَسْم وجَديس ولُقمان والهرماس وبني الناصور وقيل بن عترٍ وذي جَدَن وقد يقال في بني الناصور‏:‏ إن أصلهم من الرُّوم فأمّا ثَمُود فقد خبَّر اللَّه عزّ وجلّ عنهم فقال‏:‏ ‏"‏ وثَمودًا فَمَا أَبْقَى ‏"‏ النجم‏:‏ 15 وقال‏:‏ ‏"‏ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ من باقِيَة ‏"‏ الحاقة‏:‏ 8 فأنا أعجَب مِن مسلمٍ يصدِّق بالقرآن يزعمُ أنّ قبائل وكان أبو عبيدة يتأوَّل قولَه‏:‏ ‏"‏ وثموداً فَمَا أبْقَى ‏"‏ النجم‏:‏ 15 أنّ ذلك إنّما وقع على الأكثر وعلى الجمهور الأكبر وهذا التأويل أخرجَهُ من أبي عبيدةَ سوءُ الرأْي في القوم وليس له أن يجيء إلى خبرٍ عامٍّ مرسَلٍ غير مقيّد وخبرٍ مطلَق غير مستثنىً منه فيجعَلَه خاصّاً كالمستثنى منه وأيُّ شيءٍ بقي لطاعنٍ أو متأوِّل بعد قوله‏:‏ ‏"‏ فَهَل تَرَى لَهُمْ منْ باقِيَة ‏"‏ الحاقة‏:‏ 8 فكيف يقولُ ذلك إذا كنّا نحنُ قد نرى منهم في كل حيٍّ باقية مَعاذ اللَّهِ من ذلك وروَوْا أنّ الحجّاجَ قال على المنبر يوماً‏:‏ تزعُمون أنّا من بقايا ثمود وقد قال اللَّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وثَمُوداً فَمَا أبْقَى ‏"‏ النجم‏:‏ 15 فأما الأممُ البائدة من العجم مثل كَنعان ويُونانَ وأشباه ذلك فكثير ولكن العجمَ ليس لها عنايةٌ بحفظ شأن الأموات ولا الأحياء وقال المسيَّب بن عَلَس في ذكر لقمان‏:‏ من الكامل وإليكَ أَعْمَلْتُ المطيَّة مِنْ سَهلِ العِراق وأنتَ بالفقر أنت الرّئيسُ إذا همْ نزلُوا وتواجَهُوا كالأُسْد والنُّمْرِ لو كنتَ من شيءٍ سوى بَشَرٍ كنتَ المنوِّر ليلةَ البدرِ ولأنْتَ أجْوَدُ بالعطاء من ال - رِيَّانِ لما جادَ بالقَطْرِ ولأنت أشجَعُ من أسامة َ إذْ نَقَعَ الصُّرَاخُ ولُجَّ في الذُّعْر وقال لبيدُ بن ربيعةَ الجعفريّ‏:‏ من الطويل وأخْلفَ قُسّاً ليتَنِي ولو أنَّنِي وأعْيَا على لُقمانَ حُكْم التدبُّرِ إن تسألينا كيفَ نَحْنُ فإنَّنا عَصافِيرُ من هذا الأنام المسحَّر السَحْر‏:‏ الرِّئة والمسحَّرُ‏:‏ المعلّل بالطعام والشّراب والمسحَّر‏:‏ المخدوع كما قال امرؤ القيس‏:‏ من الوافر أرانا مُوضِعين َ لأمْرِ غَيبٍ ونُسحَرُ بالطّعامِ وبالشَّراب أي نُعلَّلُ فكأنّا نخدع ونسحر بالطعام والشّراب وقال الفرزدق‏:‏ من الطويل لئنْ حَوْمَتِي هابتْ معدٌّ حيِاضها لقد كان لقمان بنُ عادٍ يهابُها وقال الآخَر‏:‏ من الوافر إذا ما مات مَيتٌ من تميمٍ فسرَّك أن يَعيش فجِئ بزادِ بخبز أو بلحمٍ أو بتمرٍ أو الشَّيء الملفَّف في البِجادِ تراه يطوّف الآفاقَ حرصاً ليأكل رأس لقمانَ بنِ عادِ وقال أُفنون التَّغلبي‏:‏ وقال الآخر‏:‏ مخلع البسيط ما لذّة العيش والفَتَى لل - دَّهرِ والدهرُ ذو فنونِ أهلَكَ طسْماً وقَبل طسمٍ أهلك عاداً وذا جُدُونِ وأهل جاسٍ ومأربٍ بنواحي لُقْمانَ والتُّقُون واليُسر للعُسرِ والتغَنِّي للفَقْر والحيُّ للمنونِ قال‏:‏ وهم وإن كانوا يحبُّون البيان والطَّلاقة والتَّحبير والبلاغة والتخلُّص والرَّشاقة فإنّهم كانوا يكرهون السَّلاطة والهذَر والتكلُّف والإسهاب والإكثار لما في ذلك من التزيُّد والمباهاة واتباع الهوى والمنافسة في الغلوّ وكانوا يكرهون الفُضولَ في البلاغة لأنّ ذلك يدعُو إلى السَّلاطة والسَّلاطة تدعو إلى البَذاء وكلُّ مرَاءٍ في الأرض فإنَّما هو من نِتاج الفُضول ومَن حَصَّل كلامه وميَّزَه وحاسب نفسَه وخاف الإثم والذمّ أشفق من الضراوة وسوء العادة وخاف ثمرةَ العُجْبِ وهُجْنة النفج وما في حبِّ السُّمعة من الفِتنة وما في الرّياء من مجانبة الإخلاص ولقد دعا عُبادةُ بنُ الصَّامتِ بالطعام بكلامٍ ترَك فيه المحاسنة فقال شدَّاد ابن أوس‏:‏ إنّه قد ترك فيه المحاسنة فاسترجعَ ثم قال‏:‏ ما تكلَّمتُ بكلمةٍ منذُ بايعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا مزمومةً مَخْطوطةً قال‏:‏ ورَوى حمادُ بن سَلَمة عن أبي حمزة عن إبراهيم قال‏:‏ إنما يَهْلِك النّاسُ في فُضول الكلام وفضول المال وقال‏:‏ دع المعاذِر فإن أكثرها مَفاجر وإنما صارت المعاذر كذلك لأنَّها داعيةٌ إلى التخلُّص بكلِّ شيء وقال سلاّم بن أبي مطيع‏:‏ قال لي أيّوب‏:‏ إيّاك وحِفظَ الحديث خوفاً عليه من العُجْب وقال إبراهيم النّخعَي‏:‏ دع الاعتذار فإنه يخالط الكذِب قالوا‏:‏ ونظر شابٌّ وهو في دارِ ابن سيرينَ إلى فَرْشٍ في داره فقال‏:‏ ما بالُ تلك الآجُرّةِ أرفَع من الآجُرّة الأخرى فقال ابن سيرين‏:‏ يا ابن أخي إنّ فُضُولَ النَّظرِ تَدْعُو إلى فضول القول وزعم إبراهيمُ بن السّنديّ قال‏:‏ أخبَرَني مَن سمِعَ عيسى بن عليّ يقول‏:‏ فُضولُ النَّظر من فضول الخواطر وفضول النّظر تدعو إلى فُضول القول وفضول القول تدعو إلى فضول العمَل ومَن تعوَّدَ فضولَ الكلام تمّ تدارك استصلاح لسانه خرَجَ إلى استكراه القول وإنْ أبطأ أخرجَهُ إبطاؤُه إلى أقبَحَ من الفضول قال أبوعمرو بنُ العلاءِ‏:‏ أنكَحَ ضِرارُ بن عمرٍو الضبّيّ ابنتَه معبدَ بن زُرارة فلمَّا أخرجها إليه قال لها‏:‏ يا بُنَيّة أمسِكي عليك الفَضْلَين قالت‏:‏ وما الفَضلانِ قال‏:‏ فَضْل الغُلمة وفَضل الكلام وضرارُ بن عَمروٍ هو الذي قال‏:‏ مَنْ سَرّه بنوه ساءته نَفْسه وهو الذي لما قال له المنذر‏:‏ كيف تخلَّصت يومَ كذا وكذا وما الذي نجَّاك قال‏:‏ تأخيرُ الأجل وإكراهي نَفْسي على المُقِّ الطوال المقَّاء‏:‏ المرأة الطويلة والمقُّ‏:‏ جماعة النساء الطوال والمُقّ أيضاً‏:‏ الخيل الطِّوال وكان إخوته قد استشَالُوه حتّى ركِب فرسَه ورفع عِقيرتَه بعُكاظ فقال‏:‏ أَلاَ إنّ خيرَ حائلٍ أُمٌّ فزوِّجوا الأمَّهات وذلك أنه صُرِع بين القَنَا فَأَشْبَلَ عليه إخوتُه لأمِّه حتّى أنقذوه

  باب في الصمت

قال‏:‏ وكان أعرابيٌّ يجالس الشَّعبيَّ فيطيل الصَّمت فسئل عن طول صمته فقال‏:‏ أسمع فأعلم وأسكت فأَسلم وقالوا‏:‏ لو كان الكلام من فِضّة لكان السُّكوت مِن ذَهَب وقالوا‏:‏ مَقتل الرّجُل بين لَحْييْه وفَكَّيْه وأخذ أبو بكر الصّدِّيق رحمه اللَّه بطرَف لسانِه وقال‏:‏ هذا الذي أوردَني المَوَارد وقالوا‏:‏ ليس شيءٌ أحقَّ بطول سَجْنٍ من لسان وقالوا‏:‏ اللِّسان سَبع عَقُور وقال النبيُّ عليه السلام‏:‏ وهل يكُبُّ الناسَ على مناخرهم في نار جَهنَّم إلا حصائد ألسنتهم وقال ابن الأعرابيّ على بعض أشياخه‏:‏ تكلم رجلٌ عند النبي عليه السلام فخطِلَ في كلامه فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أُعْطِيَ العبدُ شرّاً من طلاقة اللسان وقال العائشي وخالد بن خِدَاش‏:‏ حدثنا مَهديُّ بن ميمون عن غيلان بن جرير عن مطرِّف بن عبد اللَّه بن الشّخِّير عن أبيه قال‏:‏ قدِمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وفدٍ فقلنا‏:‏ يا رسولَ اللَّه أنت سيِّدنا وأنت أطْوَلُنا علينا طَوْلاً وأنت الجفنة الغَرَّاء فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيُّها النّاس قُولُوا بقَولكم ولا يستَفِزَّنّكُم الشّيطانُ فإنَّما أنا عبدُ اللَّه ورسولُه قال‏:‏ وقال خالد بن عبد اللَّه القَسريّ لعمرَ بنِ عبدِ العزيز‏:‏ من كانت الخلافة زانته فقد زيّنْتَها ومن شرّفَتْه فقد شَرَّفْتَها فأنت كما قال الشاعر‏:‏ من الخفيف وتَزِيدِينَ أَطْيَبَ الطِّيب طِيباً أن تَمَسّيهِ أينَ مثلُك أينا وإذا الدُّرُّ زانَ حُسْنَ وجُوهٍ كان للدُّرِّ حُسْنُ وجهكِ زَيْنا فقال عمر‏:‏ إنَّ صاحبَكم أُعطي مَقُولا ولم يُعْطَ معقولا وقال الشاعر‏:‏ من الطويل لسانُكَ معسولٌ ونَفْسُك شحَّةٌ ودُون الثُّريا مِن صديقِك مالُكا وأخبرنا بإسنادٍ له أنّ ناساً قالوا لابن عُمَر‏:‏ ادعُ اللَّه لنا بدَعَوات فقال‏:‏ اللَّهمَّ ارْحمنا وعافنا وارزقنا فقالوا‏:‏ لو زدتنا يا أبا عبد الرحمن قال‏:‏ نعوذ باللَّه من الإسهاب وقال أبو الأسود الدؤليّ في ذكر الإسهاب يقولها في الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة بن المغيرة والحارث هو القُبَاع وكان خطيباً من وُجوه قريش ورجالهم وإنَّما سمي القُباعَ لأنه أُتِيَ بمِكْتَل لأهل المدينة فقال‏:‏ إن هذا المِكْتَلَ لَقُبَاعٌ فسمِّي به والقُبَاع‏:‏ الواسع الرأس القصير وقال الفرزدق فيه لجرير‏:‏ من الطويل فأقسمتُ لا آتيهِ تسعين َ حِجَّةً ولو كُسِرَتْ عُنْقُ القُبَاعِ وكاهلُه وقال أبو الأسود‏:‏ من الوافر أميرَ المؤمنينَ جزِيتَ خيراً أرِحْنا من قُباع بني المُغيرهْ بَلوناهُ ولُمْناهُ فأعْيَا علينا ما يُمِرّ لنا مَرِيرهْ على أنّ الفتى نِكْحٌ أَكُولٌ ومِسهابٌ مذاهبُه كثيرهْ وقال الشّاعر‏:‏ من الطويل إياكَ إيّاك المراءَ فإنه إلى الشر دعّاءٌ وللصَّرمِ جالبُ وقال أبو العتاهية‏:‏ من الكامل والصمت أجْمَلُ بالفتى مِن منطقٍ في غير حِينه كلُّ امرئٍ في نفسِهِ أعلى وأشرفُ مِن قَرينِه وكان سهلُ بنُ هارونَ يقول‏:‏ سياسة البلاغة أشدُّ من البلاغة كما أنّ التَّوقِّيَ على الدَّوَاء أشدُّ من الدَّواء وكانوا يأمرون بالتبيُّن والتثبّت وبالتحرز من زَلَل الكلام ومن زَلَل الرّأي ومن الرأْي الدَّبَريّ والرأيُ الدَّبَرِيُّ هو الذي يَعرِض من الصَّواب بعد مُضيِّ الرأي الأوَّل وفَوتِ استدراكِه وكانوا يأمرُون بالتحلُّم والتعلَّم وبالتقدُم في ذلك أشد التقدُّم وقال الأحنف‏:‏ قال عمر بن الخطاب‏:‏ تفقَّهُوا قَبل أن تسُودوا وكان يقول رحمه اللَّه‏:‏ السؤدد مع السَّواد وأنشَدُوا لكثيِّر عزّةَ‏:‏ من الطويل وفِي الحِلْمِ والإسلامِ للمرء وازعٌ وفي تركِ طاعات الفُؤادِ المتيَّمِ بصائرُ رُشْدٍ للفتى مستبينةٌ وأخلاقُ صِدْقٍ عِلْمُها بالتعلُّمِ الوازع‏:‏ الناهي والوزَعة‏:‏ جمع وازع وهم الناهون والكافُّونَ وقال الأفْوَهُ الأَوْديّ‏:‏ من الكامل أضحَتْ قُرينَةُ قد تَغيَّرَ بشْرُها وتجهَّمَتْ بتِحيَّةِ القومِ العِدَا ألوَتْ بإصبَعِها وقالت‏:‏ إنَّما يَكفِيكَ مِمّا لا تَرَى ما قد تَرَى وأنشد‏:‏ من الكامل ابِدَأْ بنَفْسِكَ فانْههَا عن غَيِّها فإذا انتهتْ عنهُ فأنتَ حكيمُ فهناك تُعذَرُ إن وَعَظْتَ ويُقتَدَى بالقول منك ويُقْبَلُ التعليمُ قالوا‏:‏ وكان الأحنفُ بنُ قيسٍ أشدَّ الناس سلطاناً على نفسه وقالوا‏:‏ وكان الحسن أتْرَكَ النَّاسِ لما نُهِيَ عنه وقال الآخر‏:‏ من الطويل لا تعذراني في الإساءة إنّه شرَارُ الرِّجال مَن يُسيء فيُعذَرُ ولم يُقَلْ بَعْدَ زَلّةٍ لَهُمُ عُدُّوا المعاذيرَ إنّما حَسِبوا وأنشدني مُحمّد بن يَسيرٍ للأحوص بن محمد‏:‏ من الكامل قامت تخاصرني بقُنَّتِها خوْدٌ تَأَطَّرُ غادةٌ بِكرُ كلٌّ يَرَى أنّ الشَّبابَ له في كلِّ مُبْلغِ لَذَّةٍ عُذْرُ تخاصرني‏:‏ آخذُ بيدها وتأخُذ بيدي والقُنّةُ‏:‏ الموضع الغليظ من الأرض في صلابة والخَود‏:‏ الحسنة الخَلْق تأطَّرُ‏:‏ تتثَنَّى والغادة‏:‏ الناعمة الليِّنة وقال جريرٌ في فَوت الرَّأْي‏:‏ من الطويل ولا يتّقون الشَّرَّ حتَّى يُصيبَهُمْ ولا يعرِفون الأمْرَ إلاّ تدبُّرا قال‏:‏ ومدح النّابغةُ ناساً بخلاف هذه الصفة فقال‏:‏ من الطويل ولا يحسِبَوْن الخيرَ لا شَرَّ بعده ولا يحسبون الشَّرَّ ضَرْبةَ لازبِ لازب ولازم واحد واللازب في مكان آخر‏:‏ اليابس قال اللَّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ مِنْ طِينٍ لاَزِبٍ ‏"‏ الصافات‏:‏ 11 واللّزَبات‏:‏ السِّنُونَ الجَدْبَةُ وأنشد‏:‏ من الطويل هفا هفوةً كانت من المر بدِعةً وما مثلُه مِن مثلها بسليمِ فإنْ يكُ أخطا في أخيكمْ فرُبَّما أصاب التي فيها صَلاحُ تميمِ قال‏:‏ وقال قائلٌ عند يزيدَ بنِ عُمرَ بن هُبيرة‏:‏ واللَّه ما أَتَى الحارثُ ابن شُريح بيوم خيرٍ قَطَّ قال‏:‏ فقال التّرجُمان بن هُرَيم‏:‏ إلاَّ يَكْنُ أتَى بيومِ خيرٍ فقد أَتَىَ بيومِ شَرٍّ ذهب الترجمان بن هُرَيم إلى مثل معنَى قول الشاعر‏:‏ من الوافر وما خُلِقَتْ بنو زِمّانَ إلاّ أخيراً بَعْدَ خَلْقِ النّاسِ طُرَّا وما فَعلت بنو زِمّانَ خيرَا ولا فَعلَتْ بنو زِمّان شرّا ومن هذا الجنس من الأحاديث وهو يدخُل في باب المُلَح قال الأصمعي‏:‏ وصَلْتُ بالعِلْم ونِلتُ بالمُلَح وقال رجلٌ مَرَّةً‏:‏ أبي الذي قاد الجُيوشَ وفَتَحَ الفتُوحَ وخَرَجَ على الملوكِ واغتصب المنابر فقال له رجُلٌ من القَوم لا جَرَم لقد أُسِرَ وقُتِلَ وصُلِب قال‏:‏ فقال له المفتخرُ بأبيه‏:‏ دعْنِي من أسْرِ أبي وقتله وصَلْبه أبوك أنتَ حدَّث نفسَه بشيءٍ من هذا قطّ قد سمِعْنا روايةَ القومِ واحتجاجَهم وأنا أُوصِيكَ ألاّ تدَعَ التماسَ البيان والتبيين إن ظننتَ أن لك فيهما طبيعةً وأنّهما يناسبانك بعضَ المناسبة ويشاكلانِك في بعض المشاكلة ولا تُهمِلْ طبيعتَك فيستولِيَ الإهمالُ على قُوّة القريحة ويستبدُّ بها سوءُ العادة وإنْ كنتَ ذا بيانِ وأحسستَ مِن نفسك بالنُّفوذ في الخَطابة والبلاغة وبقُوّة المُنّة يوم الحَفْل فلا تُقصِّرْ في التماس أعلاها سُورة وأرفِعها في البيان منزلةً ولا يقطعَنَّك تَهيْيِبُ الجُهلاء وتخوِيف الجُبَناء ولا تصرفنَّك الرِّواياتُ المعدولةُ عن وجوهها المتأَوَّلةُ على أقبح مخارجها وكيف تُطِيعهم بهذه الرِّوايات المعدولة والأخبار المدخولة وبهذا الرأي الذي ابتدَعُوه من قِبَل أنفُسهم وقد سمِعت اللَّه تبارك وتعالى ذكَرَ داودَ النبيّ صلوات اللَّهِ عليه فقال‏:‏ ‏)‏وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إنَّهُ أَوَّابٌ‏(‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ 71 إلى قوله‏:‏ ‏)‏وَفَصْلَ الخطَاب‏(‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ 02 فجمَع له بالحكمةِ البراعةَ في العقل والرَّجَاحةَ في الحِلم والاتِّساعَ في العلم والصّوابَ في الحُكْم وجَمَع له بفصل الخطابِ تفصيلَ وتلخيص الملتَبِس والبَصَرَ بالحزِّ في موضع الحزّ والحسْمَ في موضع الحَسم وذكر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم شُعيباً النبيَّ عليه السلام فقال‏:‏ كان شعيبٌ خطيب الأنبياء وذلك عندَ بعض ما حكاه اللَّه في كتابه وجَلاّه لأسماع عباده فكيف تَهَاب منزلةَ الخطباءِ وداوُد عليه السلام سَلفُك وشعيبٌ إمامُك مع ما تلوناه عليك في صدر هذا الكتابِ من القرآن الحكيم والآي الكريم وهذه خطبُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مدوّنة محفوظة ومخَلّدة مشهورة وهذه خطبُ أبي بكرٍ وعمر وعثمانَ وعليٍّ رضي اللَّه عنهم وقد كان لرسول اللَّه شعراءُ ينافحُون عنه وعن أصحابِه بأمره وكان ثابت بن قيس بن الشَّمَّاس الأنصاريّ خطيبَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يدفع ذلك أحدٌ فأمَّا ما ذكرتم من الإسهاب والتكلُّف والخَطَل والتزيُّد فإنما يخرجُ إلى الإسهاب المتكلِّفُ وإلى الخطَلِ المتزيِّد فأما أربابُ الكلامِ ورؤساءُ أهل البيان والمطبوعون المعاوِدون وأصحابُ التّحصيل والمحاسَبة والتوقِّي والشَفقة والذين يتكلَّمون في صَلاَح ذاتِ البَين وفي إطفاء نائرة أو في حَمَالة أو على مِنبر جَمَاعة أو في عَقد إمْلاكٍ بين مسلم ومسلمة - فكيف يكون كلامُ هؤلاء يدعو إلى السَّلاطة والمِراء وإلى الهَذَر والبَذَاء وإلى النَّفْجِ والرِّياء ولو كان هذا كما يقولون لكان عليٌّ بنُ أبي طالبٍ وعبدُ اللَّه بنُ عبَّاسٍ أكثَرَ النّاس فيما ذكرتم فلِمَ خطبَ صعصعةُ ابن صُوحان عند عليّ بن أبي طالبٍ وقد كان ينبغي للحسنَ البَصريِّ أن يكون أحقَّ التابعين بما ذكرتم قال الأصمعي‏:‏ قيل لسعيد بن المسيَّب‏:‏ هاهنا قومٌ نُسَّاكٌ يَعيبون إنشادَ الشعر قال‏:‏ نَسَكُوا نُسْكاً أعجميّاً وقد زَعمتم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ شُعبتانِ من شُعَب النِّفاق‏:‏ البَذَاء والبَيان وشُعبتان من شُعب الإيمان‏:‏ الحياء والعِيّ ونحن نعوذُ باللَّه أن يكون القرآن يحثُّ على البيان ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُحثُّ على العِيّ ونعوذُ باللَّه أن يجمعَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بين البَذاء والبيان إنما وقَعَ النَّهْيُ على كلِّ شيءٍ جاوَزَ المقدار ووقع اسم العِيِّ على كلَّ شيءٍ قصَّر عن المقدار فالعِيُّ مذمومٌ والخطَل مذموم ودينُ اللَّه تبارك وتعالى بين المقصِّر والغالي وهاهنا روايات كثيرةٌ مدخولة وأحاديث معلولة رَوَوْا أنّ رجلاً مدحَ الحياءَ عند الأحنف وأنّ الأحنف قال ثّمَّ‏:‏ يعود ذلك ضَعْفاً والخير لا يكون سبباً للشرّ ولكنا نقول‏:‏ إنّ الحياء اسمٌ لمقدارٍ من المقادير ما زاد على ذلك المقدار فسمِّه ما أحببت وكذلك الجود اسم لمقدارٍ من المقادير فالسَّرف اسم لما فَضَل عن ذلك المقدار وللحزم مقدارٌ فالجبْن اسمٌ لما فضَل عن ذلك المقدار وللاقتصاد مقدار فالبُخل اسمٌ لما خرج عن ذلك المقدار وللشّجاعة مقدار فالتهوُّر والخَدَب اسمٌ لما جاوزَ ذلك المِقدار وهذه أحاديثُ ليست لعامّتها أسانيدُ متّصلة فإن وجَدْتَها متصلةً لم تجدها محمودة وأكثرُها جاءت مطلقةَ ليس لها حاملٌ محمودٌ ولا مذموم فإذا كانت الكلمة حسنةً استمتعنا بها على قدر ما فيها من الحُسْن فإن أردت أن تتكلف هذه الصناعة وتُنسَب إلى هذا الأدب فقرضتَ قصيدةً أو حبَّرت خطبة أو ألّفْتَ رسالة فإيَّاك أن تدعوَك ثقتُك بنفسك أو يدعُوَك عُجبْك بثمرة عقلك إلى أن تنتحله وتدّعِيَه ولكن اعرِضْه على العلماء في عُرْض رسائلَ أو أشعارٍ أو خطب فإنْ رأيتَ الأسماعَ تُصْغي له والعيونَ تَحْدِج إليه ورأيتَ مَن يطلبُه ويستحسنه فانتحله فإن كان ذلك في ابتداء أمرك وفي أوَّل تكلُّفِك فلم تر له طالباً ولا مستحسناً فلعلّه أن يكون ما دام أيِّضاً قضيباً أن يحلَّ عندَهم محلَّ المتروك فإذا عاودْتَ أمثالَ ذلك مراراً فوجَدْتَ الأسماع عنهُ منصرفة والقلوبَ لاهية فخُذْ في غير هذه الصناعة واجعَلْ رائدك الذي لا يَكْذِبُك حِرصهم عليه أو زُهدهم فيه إنّ الحديثَ تغُرُّ القومَ خَلْوَتُه حَتّى يَلِجّ بهم عِيٌّ وإكثارُ وفي المثل المضروب‏:‏ كلُّ مُجْرٍ في الخلاءٍ مُسَرٌّ ولم يقولوا مسرور وكلٌّ صواب فلا تثقْ في كلامك برأي نفسك فإنِّي ربَّما رأيتُ الرَّجلَ متماسِكاً وفوقَ المتماسك حتَّى إذا صار إلى رأيه في شعره وفي كلامه وفي ابنه رأيتَه مُتَهافِتاً وفَوقَ المتهافت وكان زهيرُ بنُ أبي سُلْمَى وهو أحد الثَّلاثة المتقدمين يسمّي كبارَ قصائده‏:‏ الحَوليَّات وقال نوح بن جرير‏:‏ قال الحطيئة‏:‏ خيرُ الشِّعر الحوليّ المنقّح قال‏:‏ وقال البعيث الشاعر وكان أخطَبَ النّاس‏:‏ إنِّي واللَّه ما أُرسل الكلامَ قضيباً خشيباً وما أريد أنْ أخطُبَ يوم الحَفْل إلا بالبائِت المحكَّك وكنت أظنّ أن قولَهم محكّك كلمةٌ مولَّدة حتَّى سمعت قولَ الصَّعب بن عليٍّ الكِناني‏:‏ من البسيط أبلغْ فزارةَ أنّ الذِّئبَ آكلُها وجائعٌ سَغِبٌ شَرٌّ من الذِّيبِ أزلُّ أطْلَسُ ذو نَفْسٍ محكَّكَةٍ قد كان طار زماناً في اليعاسيب وتكلّم يزيدُ بن أبانٍ الرَّقَاشي ثم تكلم الحسَن وأعرابيّانِ حاضران فقال أحدهُما لصاحبه‏:‏ كيف رأيتَ الرَّجُلين فقال‏:‏ أمّا الأوّل فقاصٌّ مُجيدٌ وأما الآخَر فعربيٌّ مُحَكّكٌ قال‏:‏ ونظر أعرابيٌّ إلى الحسن فقال له رجل‏:‏ كيف تراه قال‏:‏ أرى خَيشُومَ حُرٍّ قالوا‏:‏ وأرادوا عبدَ اللَّه بنَ وهبٍ الراسبيَّ على الكلام يومَ عَقدتْ له الخوارجُ الرِّياسة فقال‏:‏ وما أنا والرأيَ الفطير والكلامَ القضيب ولمّا فرَغُوا من البَيعة له قال‏:‏ دعُوا الرّأي يَغِبُّ فإن غُبُوبَه يكشِف لكم عن مَحْضِهِ وقيل لابن التَّوأم الرَّقاشيّ‏:‏ تكلّمْ فقال‏:‏ ما أشتهي الخُبزَ إلاّ بائِتاً قال‏:‏ وقال عُبَيد اللَّه بن سالم لرُؤبة‏:‏ مُتْ يا أبا الجحاف إذا شئت قال‏:‏ وكيف ذاك قال‏:‏ رأيتُ اليوم عُقبةَ بن رؤبة ينشد شعراً له أعجبني قال‏:‏ فقال رؤبة‏:‏ نعم إنّه ليقول ولكن ليس لشعره قِرَانٌ وقال الشاعر‏:‏ من الوافر مِهاذبةٌ مَناجِبةٌ قِرَانٌ مَنادبةٌ كأنّهم الأسودُ يريد بقوله قِرانٌ التّشابُهَ والموافقَة وقال عُمَر بن لجأٍ لبعض الشُّعراء‏:‏ أنا أشعر منك قال‏:‏ وبم ذاك قال‏:‏ لأنِّي أقولُ البيتَ وأخاه وأنت تقولُ البيتَ وابنَ عمِّه قال‏:‏ وذَكر بعضُهم شِعر النَّابغة الجعديّ فقال‏:‏ مُِطْرفٌ بآلاف وخِمارٌ بواف وكان الأصمعيُّ يفضّله من أجل ذلك وكان يقول‏:‏ الحطيئة عبدٌ لِشعرِه عابَ شِعره حين وجدَه كلّه متخيَّراً منتخَباً مستوياً لمكان الصَّنْعة والتكلُّف والقيام عليه وقال‏:‏ لو أنّ شِعرَ صالح بنِ عبد القُدُّوس وسابقٍ البربريّ كان مفرّقاً في أشعار كثيرة لصارت تلك الأشعارُ أرفَعَ ممّا هي عليه بطبقاتٍ ولصار شعرهُما نوادِرَ سائرةً في الآفاق ولكنَّ القصيدة إذا كانت كلُّها أمثالاً لم تَسِرْ ولم تَجرِ مَجرى النَّوادر ومتى لم يخرج السّامعُ من شيء إلى شيء لم يكن لذلك عنده موقع قال‏:‏ وقال بعضُ الشُّعراء لرجُلٍ‏:‏ أنا أقولُ في كلِّ ساعةٍ قصيدةً وأنت تَقرِضُها في كلِّ شهرٍ فلم ذلك قال‏:‏ لأنِّي لا أقبل من شيطاني مثلَ الذي تقبَلُ من شيطانِك قال‏:‏ وأنشد عُقبةُ بن رؤبة أباه رؤبة بن العجاج شعراً وقال له‏:‏ كيف تراه قال‏:‏ يا بُنيّ إنّ أباك لَيَعرِضُ له مثلُ هذا يميناً وشِمالاً فما يلتفت إليه وقد رووْا مثلَ ذلك في زهيرٍ وابنه كعب قال‏:‏ وقيل لعَقِيل بن عُلَّفَة‏:‏ لِمَ لا تُطيل الهجاء قال‏:‏ يكفيك مِن القلادة ما أحاطَ بالعُنق وقيل لأبي المهوِّش‏:‏ لم لا تُطِيل الهجاء قال‏:‏ لم أجد المثلَ النادرَ إلاَّ بيتاً واحداً ولم أجد الشِّعر السَّائر إلاّ بيتاً واحداً قال‏:‏ وقال مَسلمةُ بنُ عبد الملك لنُصيبٍ الشّاعر‏:‏ ويْحَكَ يا أبا الحَجْناء أما تُحْسِن الهجاء قال‏:‏ أمَا تراني أُحْسِنُ مكان عافاك اللَّه‏:‏ لا عافاك اللَّه ولاموا الكميتَ بن زيدٍ على الإطالة فقال‏:‏ أَنَا على القِصار أقدر وقيل للعجَّاج‏:‏ مالك لا تُحسِن الهجاء قال‏:‏ هل في الأرض صانعٌ إلاّ وهو على الإفساد أقدر وقال رُؤبة‏:‏ الهَدْم أسرَعُ من البِناء وهذه الحججُ التي ذكروها عن نُصيبٍ والكميت والعجّاجِ ورُؤبة إنّما ذكروها على وجه الاحتجاج لهم وهذا منهم جهلٌ إن كانت هذه الأخبارُ صادقة وقد يكونُ الرَّجُل له طبيعةٌ في الحساب وليس له طبيعة في الكلام وتكون له طبيعة في التِّجارة وليست له طبيعةٌ في الفلاحة وتكون له طبيعةٌ في الحُداء أو في التغْبير أو في القراءة بالألحان وليست له طبيعةٌ في الغناء وإن كانت هذه الأنْواعُ كلُّها ترجع إلى تأليف اللحون وتكون له طبيعةٌ في النّاي وليس له طبيعة في السُّرْناي تكون له طبيعةٌ في قصبة الرَّاعي ولا تكون له طبيعة في القصبتين المضمومتين ويكون له طبع في صناعة اللحون ولا يكون له طبعٌ في غيرهما ويكون له طبعٌ في تأليف الرسائل والخطب والأسجاع ولا يكون له طبع في قرض بيت شعرٍ ومثل هذا كثيرٌ جدّا وكان عبدُ الحميد الأكبر وابنُ المقفَّع مع بلاغة أقلامهما وألسنتهما لا يستطيعان من الشِّعر إلا ما لا يُذكَر مثلُه وقيل لابن المقفّع في ذلك فقال‏:‏ الذي أرضاه لا يجيئني والذي يجيئني لا أرضاه وهذا الفرزدق وكان مستهتَراً بالنِّساء وكان زِيرَ غَوانٍ وهو في ذلك ليس له بيتٌ واحدٌ في النَّسيب مذكور مَعَ حسده لجريرٍ وجريرٌ عفيفٌ لم يَعْشَق امرأةً قطّ وهو مع ذلك أغزَلُ النّاسِ شِعراً وفي الشُّعراء مَن لا يستطيع مجاوزةَ القصيد إلى الرَّجز ومنهم من لا يستطيع مجاوزةَ الرّجز إلى القصيد ومنهم من يجمعهما كجرير وعُمَر بن لجأ وأبي النَّجم وحُميد الأرقط والعُمَانيّ وليس الفرزدق في طِوالِه بأشعَرَ منه في قصاره وفي الشعراء مَن يخطب وفيهم من لا يستطيع الخطابة وكذلك حال الخطباء في قريض الشعر والشّاعرُ نفسه قد تختلف حالاتُه وقال الفرزدق‏:‏ أنا وقال العجّاج‏:‏ لقد قلتُ أرجوزتي التي أوّلها‏:‏ بكيتَ والمُحتَزنُ البَكيُّ وإنّما يأتِي الصِّبَا الصَّبيُّ أطَرَباً وأنتَ قِنَّسْرِيُّ والدّهْرُ بالإنسان دَوْارِيُّ وأنّا بالرَّمل في ليلةٍ واحدة فانثالَتْ عَلَيَّ قوافيها انثيالاً وإني لأُريد اليومَ دونَها في الأيّامِ الكثيرة فما أقدِر عليه وقال لي أبو يعقوبَ الخُريَميّ‏:‏ خرجتُ مِن منزلِي أريد الشَّمَّاسِيّة فابتدأت القول في مرثيةٍ لأبي التَّخْتاخ فرجَعت واللَّه وما أمكنني بيتٌ واحد وقال الشاعر‏:‏ من الطويل وقد يَقرض الشعرَ البكيُّ لسانُه وتُعيي القوافي المرءَ وهو خَطيبُ

  باب من القول في المعاني الظاهرة باللفظ الموجز

من ملتقطات كلام الناس قال بعض النّاس‏:‏ من التوقِّي ترك الإفراط في التوقّي وقال بعضهم‏:‏ إذا لم يكن ما تريد فأرِدْ ما يكون وقال الشاعر‏:‏ مجزوء الخفيف فأرِدْ ما يكون إنْ لم يكن ما تريدُهُ وقيل لأعرابيّ في شَكَاتِه‏:‏ كيف تُجدُكَ قال‏:‏ أجِدُني أجِدُ مالا أشتهي وأشتهي ما لا أجد وأنا في زمانٍ من جاد لم يَجِد ومن وَجَدَ لم يَجُدْ وقيل لابن المقفّع‏:‏ ألا تقول الشعر قال‏:‏ الذي يجيئني لا أرضاه والذي أرضاه لا يجيئني وقال بعض النُّسَّاك‏:‏ أنَا لما لا أرجُو أرجَى مِنِّي لما أرْجو وقال بعضُهم‏:‏ أعجبُ من العجَب تركُ التعجُّب من العَجَب قال عمرُ بنُ عبد العزيز لعَبد بني مَخزوم‏:‏ إني أخافُ اللَّه فيما تقلَّدتُ قال‏:‏ لستُ أخاف عليك أن تخاف وإنّما أخاف عليك ألاّ تخاف وقال الأحنف لمعاوية‏:‏ أخافك إن صدَقْتُكَ وأخاف اللَّه إن كذَبْتُكَ وقال رجلٌ من النُّسّاك لصاحبٍ له وهو يَكِيدُ بنفْسِه‏:‏ أمّا ذنوبي فإني أرجو لها مغفرةَ اللَّه ولكنِّي أخافُ على بناتي الضَّيعة فقال له صاحبه‏:‏ فالذي ترجوه لمغفرةِ ذنوبِك فارجُه لحفظ بناتك وقال رجلٌ من النُّسَّاك لصاحبٍ له‏:‏ ما لي أراك حزيناً قال‏:‏ كان عندي يَتِيمٌ أربّيه لأُوجَر فيه فمات وانقطع عنا أجْرُه إذْ بطَلَ قيامُنا بمؤُونته فقال له صاحبُه‏:‏ فاجتلِبْ يتيماً آخر يَقوم لك مَقام الأوّل قال‏:‏ أخاف ألاّ أصيبَ يتيماً في سوء خُلُقه قال له صاحبه‏:‏ أمّا أنا فلو كنت وقال آخر وسمعه أبو هريرة النحويّ وهو يقول‏:‏ ما يمنعُني مِن تعلُّم القرآن إلاّ أني أخاف أَنْ أُضَيّعه قال‏:‏ أمّا أنت فقد عجّلت له التَّضييع ولعلّك إذا تعلّمْتَه لم تضيِّعه وقال عمر بنُ عبد العزيز لرجلٍ‏:‏ مَن سيِّدُ قومك قال‏:‏ أنا قال‏:‏ لو كنت كذلك لم تَقُلْه باب آخر وقالوا في حُسن البيان وفي التخلُّص من الخَصْم بالحقِّ والباطل وفي تخليص الحقِّ من الباطل وفي الإقرار بالحقِّ وفي ترك الفخْر بالباطل قال أعرابيٌّ وذكر حِمَاس بن ثَاملٍ‏:‏ من الطويل برئتُ إلى الرحمن من كلِّ صاحبٍ أصاحِبُه إلاّ حِمَاسَ بنَ ثاملِ وظنِّي به بين السِّماطَين أنَّه سَيْنجُو بحقٍّ أو سينجو بباطلِ وقال العُجَير السَّلُوليّ‏:‏ من الطويل وإنّ ابنَ زيدٍ لابنُ عمِّي وإنّه لبَلاَّلُ أيدِي جِلّةِ الشَّوْلِ بالدَّمِ طَلُوع الثَّنايا بالمطايا وإنّه غداةَ المُرَادِي لَلْخطيبُ المقدّمُ يسرَّك مظلوماً ويرضيك ظالماً ويَكفيكَ ما حُمِّلتَه حين تَغرَمُ الشَّول‏:‏ جمع شائلة وهي النّاقة التي قد جفّ لبنُها وإذا شالت بذنبها بعد اللِّقاح فهي شائلٌ وجمعها شُوَّل المُرادي‏:‏ المُصادم والمُقارع يقال‏:‏ روَيْتُ الحجرَ بصخرةٍ أو بمِعْوَلٍ إذا ضربتَه بها لتكسرَه والمِرْداة‏:‏ الصخرة التي يكسَّر بها الحجارة وقال ابن ربْعٍ الهُذَلي‏:‏ من الطويل أعَيْن ألاَ فابكي رُقَيبة إنّهُ وَصُولٌ لأرحامٍ ومِعْطاءُ سائِلِ فأُقسم لو أدركتُه لحمَيْتُه وإنْ كان لم يَترُك مقالاً لقائل وقال بعضُ اليهود وهو الرّبيع بن أبي الحُقَيق من بني النَّضير‏:‏ من السريع سائِلْ بنا خابرَ أكمائنا والعلمُ قد يُلقَى لَدَى السّائِل إنّا إذا مالتْ دواعِي الهوَى وأنْصَتَ السَّامعُ للقائِل واعتَلَجَ النّاسُ بألبابهم نَقْضِي بحُكمٍ عادِلٍ فاصِلِ لا نجعلُ الباطِلَ حقّاً ولا نَلُطُّ دونَ الحقّ بالباطل نَكرَهُ أن تَسْفَهَ أحلامُنا فنَخمُلَ الدَّهرَ مع الخامِلِ وقال آخر وذكر حِماساً أيضاً‏:‏ من الطويل أتاني حِماسٌ بابنِ ماهٍ يسوقُه ليَبْغِيَه خيراً وليس بفاعلِ ليُعْطيَ عبساً مالَنا وصدورُنا من الغَيظ تَغِلي مثلَ غَلْيِ المرَاجِل فأنِطقَ في حقِّ بحقٍّ ولم يكنْ ليَرْحَضَ عنكم قالةَ الحقِّ باطِلي ليرحض أي ليغسل والراحض‏:‏ الغاسل والمرحاض‏:‏ الموضع الذي يُغسَل فيه وقال عمرُو بن مَعْد يكَرِب‏:‏ من الطويل فلو أنّ قومي أنطقَتْني رماحُهُمْ نَطقتُ ولكنَّ الرِّماح أجرَّتِ الجرار‏:‏ عُودٌ يُعرَضُ في فم الفَصيل أو يُشَقُّ به لسانُه لئلاّ يرضع فيقول‏:‏ قومي لم يَطْعَنُوا بالرِّماح فأُثْنِيَ عليهم ولكنّهم فَرُّوا فأَسْكَتُّ كالمُجَرّ الذي في فمه الجِرار وقال أبو عُبيدة‏:‏ صاح رُؤبةُ في بعض الحروبِ التي كانت بين تميم والأزْد‏:‏ يا معشر بني تميم أطلقوا من لساني قال‏:‏ وأبصر رجلاً منهم قد طعن فارساً طعنةً فصاح‏:‏ لا عِيّاً ولا شلَلاً والعرب تقول‏:‏ عِيٌّ أبْأسُ من شلَل كأنّ العيّ فوقَ كلِّ زمانةٍ وقالت الجُهَنِيَّةُ‏:‏ من الطويل ألا هَلَكَ الحُلوُ الحَلالُ الحُلاحِلُ ومَن عِنده حِلمٌ وعلم ونائِلُ وذو خُطَبٍ يوماً إذا القوم أُفْحِمُوا تُصيب مَرادي قولِه ما يحاولُ بَصيرٌ بعَوراتِ الكلام إذا التَقَى شَريجان بين القوم‏:‏ حقٌّ وباطلُ أتِيٌّ لما يأتي الكريمُ بسيفِه وإن أسلمَتْهُ جنده والقبائلُ وليْس بمِعطاءِ الظلامةِ عن يدٍ ولا دونَ أعلى سَوْرة المجد قابلُ الحُلاحِلُ‏:‏ السيِّد شريجان‏:‏ جنسان مختلفان من كلِّ شيء وأنشد أبو عبيدةَ في الخطيب يَطُولُ كلامه ويكونُ ذَكُوراً لأوّلِ خُطبته وللذي بَنَى عليه أمرَه وإنْ شَغَبَ شاغبٌ فقطع عليه كلامَه أو حَدثَ عند ذلك حدَثٌ يحتاج فيه إلى تدبيرٍ آخر وصَلَ الثّانيَ من كلامه بالأوّل حتّى لا يكون أحدُكلامَيهِ أجْوَدَ من الآخَر فأنشد‏:‏ من الطويل وإنْ أحدَثوا شَغْباً يُقَطِّعُ نظمَها فإنَّك وَصَّالٌ لما قَطَع الشَّغْبُ ولو كُنتَ نَسَّاجاً سَددْت خَصَاصَها بقولٍ كطعم الشُّهد مازجَه العذبُ وقال نُصَيْبٌ‏:‏ من البسيط وما ابتذَلْتُ ابتذال الثّوب وَدَّكُمُ وعائِدٌ خَلَقاً ما كان يُبتَذلُ وعِلمُكَ الشّيء تهوى أن تَبَيَّنَهُ أشْفَى لقلبك مِن أخبار من تَسَلُ وقال آخَر‏:‏ من الطويل لعمْرُك ما وُدُّ اللِّسان بنافعٍ إذا لم يَكن أصلُ المودَّة في الصَّدرِ وقال آخَر‏:‏ من الطويل تعلّمْ فليس المرءُ يُولد عالماً وليس أخو عِلمٍ كمَنْ هو جاهلُ وأن كبيرَ القوم لا عِلَم عنده صغيرٌ إذا التفَّتْ عليه المحافلُ فتىً مثلُ صَفْو الماء ليس بباخلٍ عليك ولا مُهْدٍ مَلاماً لَبَاخِل ولا قائلٍ عَوْراءَ تؤذِي جليسَه ولا رافع رأساً بعوراء قائِل ولا مُسْلِمٍ مولىً لأمرٍ يُصيبُه ولا خالطٍ حقّاً مصيباً بباطل ولا رافعٍ أحدوثَة السَّوءِ مُعْجباً بها بين أيدِي المجلسِ المتقابِل يُرَى أهلُه في نَعْمةٍ وهو شاحبٌ طَوِى البَطْنِ مِخماصُ الضُّحى والأصائِل وقالت أخت يزيد بن ‏[‏الطَّثْريَّة‏:‏ من الطويل أرَى الأثْلَ مِن بطنِ العَقيقِ مُجاوِرِي قريباً وقد غالت يَزِيدَ غوائلُه فَتَى قُدَّ قَدَّ السَّيفِ لا متضائِلٌ ولا رَهِلٌ لَبَّاتُه وبآدِلُه فتىً لا يُرَى خَرْقُ القميص بخَصْره ولكنَّما تُوهِي القميصَ كواهلُه إذا نَزَلَ الأضيافُ كان عذَوّراً على الحيِّ حتَّى تُسْتَقَلَّ مَرَاجلُه مَضَى وورِثْناه دَرِيسَ مُفاضَةٍ وأبيضَ هنديّاً طويلاً حمائلُه يَسُرُّكَ مظلوماً ويُرضيك ظالماً وكلُّ الذي حمّلْتَهُ فهو حاملَه أخو الجِدِّ إن جدَّ الرِّجال وشَمّروا وذو باطلٍ إن شئت ألهاك باطُله مما يدخل في باب الخطب قال الشاعر‏:‏ من الطويل عجِبتُ لأقوام يَعِيبونَ خُطبَتي وما منهمُ في موقف بخطيبِ وقال آخر‏:‏ من الكامل إنَّ الكلامَ مِنَ الفؤادِ وإنَّما جُعِلَ اللِّسانُ على الفؤاد دليلا لا يُعجِبنّك من خطيب قولُهُ حتّى يكونَ مع البيان أصيلا وأنشد آخر‏:‏ من الطويل أبَرَّ فما يزدادُ إلاّ حَماقةً ونَوُكاً وإن كانت كثيراً مخارجُه وقد يكون رديءُ العقل جيِّدَ اللسان وقال أبو العباس الأعمى‏:‏ من الطويل إذا وصَفَ الإسلامَ أَحسَنَ وَصْفَهُ بفِيه ويأبى قَلبُه ويهاجرُه وإن قامَ قال الحقَّ ما دامَ قائماً تقيُّ اللسان كافرٌ بَعْدُ سائِرُه وقال قيس بن عاصم المِنَقَريّ يذكُر ما في بني منقِر من الخَطابة‏:‏ من الكامل إنِّي امرؤٌ لا يعتري خُلُقي دَنَسٌ يُفَنِّدهُ ولا أفْنُ خطباءُ حينَ يقومُ قائلُهمْ بيض الوُجوهِ مَصاقعٌ لُسْنُ لا يَفْطُنون لعَيب جارِهِم وهُمُ لحفظ جِوَارهم فُطْنُ ومن هذا الباب وليس منه في الجملة قول الآخر‏:‏ من الطويل أشارتْ بطَرْفِ العَينِ خيفةَ أهلها إشارَةَ مَذعورٍ ولم تَتكلّمِ فأَيْقَنتُ أنَّ الطّرفَ قد قال‏:‏ مرحباً وأهلاً وسهلاً بالحبيب المسلِّمِ وقال نُصَيبٌ مولى عبد العزيز بن مروان‏:‏ من الوافر يقول فيُحسنُ القولَ ابنُ لَيلَى ويفعل فوقَ أحْسَنِ ما يقولُ وقال آخر‏:‏ من الطويل ألا رُبَّ خصمٍ ذي فُنونٍ عَلَوْته وإن كان ألْوَى يُشبه الحقَّ باطله فهذا هو معنى قولِ العتَّابيّ‏:‏ البلاغة إظهار ما غَمض من الحقّ وتصوير الباطل في صورة الحقّ وقال الشّاعر وهو كما قال‏:‏ من الطويل عجِبتُ لإدلال العيِيِّ بنفسِه وصَمْتِ الذي قد كان بالقول أَعْلَما وفي الصَّمت سَتْرٌ للعَييّ وإنما صحيفةُ لُبٍّ المرء أنْ يتكلما وموضع الصحيفة من هذا البيت موضع ذكر العنوان في شعره الذي رثى عثمانَ بن عَفّان ضَحَّوْا بأشمَطَ عُنوانُ السُّجودِ به يقطِّع اللّيلَ تسبيحاً وقُرآنا وأنشد أيضاً‏:‏ من الهزج تَرَى الفتيانَ كالنَّخْلِ وما يُدرِيكَ ما الدّخْلُ وكُلٌ في الهوى لَيْثٌ وفيما نابَهُ فَسْلُ وليس الشَّأْنُ في الوصلِ ولكن أن يُرَى الفَصْلُ وقال كِسرى أنوشِروان لبُزُرْجِمِهْر أيُّ الأشياء خير للمرء العَيّ قال‏:‏ عقل يعيش به قال‏:‏ فإن لم يكن له عقلٌ قال‏:‏ فإخوانٌ يسترون عليه قال‏:‏ فإن لم يكن له إخوانٌ قال‏:‏ فمالٌ يتحبَّبُ به إلى الناس قال‏:‏ فإن لم يكن له مال قال‏:‏ فعِيٌّ صامتٌ قال‏:‏ فإن لم يكن له قال‏:‏ فموتٌ مُريح وقال موسي بن يحيى بن خالد‏:‏ قال أبو عليّ‏:‏ رسائل المرءٍ في كتُبه أدَلُّ على مِقدار عقله وأصْدَقُ شاهداً على غيبه لك ومعناه فيك مِن أضعاف ذلك على المشافهة والمواجهة وباب منه آخر ووصفوا كلامهم في أشعارهم فجعلوها كبُرودِ العَصْب وكالحُلَل والمعاطف والدِّيباج والوشْي لا يُشتَرى الحمد أُمْنيَةً ولا يُشْتَرَى الحمد بالمَقْصِر ولكنّما يُشترَى غالباً فمن يُعْطِ قيمتَه يَشْتَر ومَن يعتِطفْه على مِئزرٍ فنِعم الرِّداءُ على المِئزرِ وأنشدني لابن ميَّادَةَ‏:‏ من الطويل نَعَمْ إنَّني مُهدٍ ثَنَاءً ومدحةً كُبْرد اليمانِي يُرْبِحُ البيعَ تاجره وأنشد‏:‏ من الوافر فإنْ أهْلِكْ فقد أبقَيتُ بعدي قوافِيَ تُعجِب المُتَمثِّيلينا لذيذاتِ المقاطع مُحْكَماتٍ لوَ أنّ الشِّعرَ يُلبس لارتُدِينا وقال أبو قُردودة يرثي ابن عمارٍ قتيلَ النُّعمان ونديمَه ووصف كلامه وقد كان نهاه عن منادمته‏:‏ من البسيط إنِّي نَهَيْتُ ابنَ عمّارٍ وقلتُ له‏:‏ لا تأمنَنْ أحْمَرَ العينين والشعَرَه إنَّ الملوكَ متى تنْزِلْ بساحتِهم تَطِرْ بنارك مِن نيرانهم شَرَرَه يا جَفنةً كإزاء الحُوض قد هَدَمُوا ومنطقاً مثلَ وَشِيِ اليَمْنة الحِبَرَة قد تسهَّلتَ ما توعَّر منهُ بلسانٍ يَزينُهُ التَّحبيرُ مثلُ وَشْي البرود هَلْهَلَه النَّسْ - خُ وعِند الحِجاج درٌّ نثيرُ حَسَنُ الصَّمت والمَقاطع إمّا نَطق القومُ والحديثُ يدورُ ثمَّ من بَعْدُ لحظةٌ تُورِث اليُ - سْرَ وعِرضٌ مهذَّبٌ موفورُ ومما يُضَمّ إلى هذا المعنى وليس منه قولُ جميل بن مَعْمَر‏:‏ من الطويل نَمَتْ في الرَّوَابي من مَعَدٍّ وأُفْلِجَتْ على الخَفِرات العُرِّي وهي وَلِيدُ أناة على نِيرينِ أضْحَى لِدَاتُها بَلينَ بَلاء الرَّيْط وهي جديدُ نمت‏:‏ شبَّت الرَّوابي من مَعدٍّ‏:‏ البيوت الشريفة وأصل الرابية والرُّباوة‏:‏ ما ارتفع من الأرض أُفلجت‏:‏ أُظهرت والخَفرَات‏:‏ الحييَّات الأناة‏:‏ المرأة التي فيها فُتورٌ عند القيام وقوله على نِيرَين وصفها بالقوة كالثَّوبْ الذي يَنسَج على نِيرَين وهو الثَّوب الذي له سَدَيان كالدِّيباج وما أشبهه أضحى لداتُها اللِّدَة‏:‏ القرينة في المولد والمنشأ فيقول‏:‏ إنَّ أقرانَها قد بَلينَ وهي جديدٌ لحُسن غِذائها ودوام نَعْمتها ومِن هذا الشكل وليس منه بعينه قولُ الشاعر‏:‏ من الطويل على كلِّ ذي نيرين زيِد مَحالُهُ مَحالاً وفي أضلاعه زِيد أضْلُعَا المحال‏:‏ مَحال الظّهر وهي فَقارُه واحدُها مَحالة وقال أبو يعقوب الخُرَيميُّ الأعور‏:‏ أوّلُ شعرٍ بقلبي سَقَامٌ لستُ أُحْسِنُ وصفَه على أنّه ما كان فهو شديدُ تمرُّ به الأيَّامُ تسحَبُ ذيلَها فتَبْلَى به الأَيّامُ وهو جديدُ وقال الآخر‏:‏ من الطويل أبَى القلبُ إلاّ أمَّ عمرٍو وحبَّها عجوزاً ومَن يُحِببْ عجوزاً يُفَنِّد كبرد اليماني قد تقادَمَ عهده ورُقعَته ما شئْت في العَينِ واليَد وقال ابن هَرْمة‏:‏ من البسيط إنَّ الأديمَ الذي أصبحتَ تعرُكَه جهلا لَذو نَغَلٍ بادٍ وذو حَلَمِ ولن يَئطُّ بأيدي الخَالِقين ولا أيدي الخوالق إلا جيّدُ الأَدَمِ وفي غير هذا الباب وهو قريب منه قول ذي الرُّمَّة‏:‏ من الطويل وفي قصر حَجْرٍ من ذُؤابة عامر إمامُ هدىً مستبصرُ الحكم عادِله كأنّ على أعطافه ماءَ مُذهَبٍ إذا سَمَلُ السِّربال طارت رَعابِلُه الرَّعابل‏:‏ القِطَع وشواءٌ مُرعْبَلٌ‏:‏ مقطّع ورَعْبَلْتُ الشيء أي قَطَّعته ويقال‏:‏ ثوب سَمَلٌ وأسمالٌ ويقال‏:‏ سَمَل الثوب وأسمل إذا خَلُِقَ وهو الذي يقول‏:‏ من البسيط الحَور‏:‏ شدّة بياض العين والدَّعجُ‏:‏ شدة سواد الحدقة والنَّعَجُ‏:‏ اللِّين قالوا‏:‏ لأنَّ المرأة الرقيقةَ اللون يكون بياضُها بالغداة يضرب إلى الحمرة وبالعشيِّ يضرب إلى الصفرة ولذلك قال الأعشى‏:‏ مجزوء الكامل بيضاءُ ضَحْوتَها وصف - راء العَشيَّةِ كالعَرارَه وقال آخر‏:‏ من الرجز قد علمتْ بيضاءُ صَفْراءُ الأُصُلْ لأُغْنينَّ اليوم ما أغنى رجُلْ وقال بشّار بن بُرْد‏:‏ مجزوء الكامل وخذِي مَلابسَ زينةٍ ومُصَبَّغاتٍ فهْيَ أفخَرْ وإذا دخلتُ تقنَّعِي بالحمر إنَّ الحسْنَ أحمرْ وهذان أعميانِ قد اهتدَيَا من حقائق هذا الأمر إلى ما لا يبلُغه تمييز البَصِير ولبشّارٍ خاصَّةً في هذا الباب ما ليس لأحد ولولا أنّه في كتاب الرّجُل والمرأة وفي باب القول في الإنسان من كتاب الحيوان ألْيَقُ وأزكى لذكرناه في هذا الموضع ومما ذكروا فيه الوزْنَ قوله‏:‏ من الطويل زنِي القَوْمَ حتّى تعرفي عند وزنهم إذا رفع الميزانُ كيف أميلُ أعاذِلَ غُضِّي بعضَ لَوْمِكِ إنَّني أرى الموتَ لا يرضى بدَينٍ ولا رَهْن وإني أرى دهراً تَغَّيَّر صَرْفُه ودُنْيا أراها لا تقومُ على وزْنِ

 وباب آخر ويذكرون الكلام الموزونَ

ويمدحُون به ويفضِّلون إصابة المقادير ويذمُّون الخروجَ من التعديل قال جعفر بنُ سليمان‏:‏ ليس طِيبُ الطّعام بكثرة الإنفاق وجودة التَّوابل وإنّما الشّأنُ في إصابة القَدْر وقال طارقُ بن أُثالٍ الطائيّ‏:‏ من البسيط ما إنْ يزالُ ببغدادٍ يزاحمنا على البَراذينِ أشباهُ البراذين أعطاهُم اللَّهُ أموالاً ومنزلةً من الملوك بلا عقلٍ ولا دينِ ما شئتَ مِن بغلةٍ سَفواءَ ناجية ومِن أثاثٍ وقول غير موزونِ وأنشدني بعض الشعراء‏:‏ من الطويل رأتْ رجلاً أودى السِّفارُ بجسمه فلم يبق إلا مَنطِق وجَناجِنُ الجناجن‏:‏ عظام الصّدر إذا حُسِرَتْ عنهُ العمامةُ راعَها جَمِيلُ الحفوفِ أغفلَتْهُ الدّواهنُ وقال مالك بن أسماءَ في بعض نسائه وكانت تصيب الكلام كثيراً وربما لحنَتْ‏:‏ من الخفيف أَمغَطّىً مِنِّي على بَصرِي للحُبِّ أمْ أنتِ أكملُ النّاس حُسْنا وحديثٍ ألَذُّه هو ممّا ينعتُ النّاعِتونَ يُوزَن وزْنا مَنطِقٌ صَائبٌ وتلحن أَحيا - ناً وخَيْرُ الحديثِ ما كان لحنَا وقال طَرَفة في المقدار وإصابته‏:‏ من الكامل فسقَى ديارَكَ غيرَ مُفْسِدِها صَوبُ الرّبيع ودِيمةٌ تَهمِي طلب الغيثَ على قَدْر الحاجة لأن الفاضل ضارّ وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في دعائه‏:‏ اللهمَّ اسقِنا سقياً نافعاً لأنّ المطر ربّما جاءَ في غير إبَّان الزّراعات وربما جاء والتّمر في الجُرْنِ والطّعام في البَيادر وربّما كان في الكثرة مجاوزاً لمقدار الحاجة وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهمّ حوالَيْنا ولا علينا وقال بعض الشُّعراء لصاحبه‏:‏ أنا أشعرُ منك قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأنِّي أقول البيتَ وأخاه وأنت تقولُ البيتَ وابن عمِّه وعاب رؤبةُ شعر ابنه فقال‏:‏ ليس لشعره قِرَان وجعل البيت أخا البيت إذا أشبهه وكان حقه أن يُوضَع إلى جنْبه وعلى ذلك التأويل قال الأعشى‏:‏ أبا مِسْمَعٍ أقصرْ فإنَّ قصيدةً متى تأتكم تَلحَقْ بها أخواتُها وقال اللَّه عز وجل‏:‏ ‏"‏ وَمَا نُريهِمْ مِنْ آيةٍ إلاّ هِيَ أكْبَرُ مِنْ أُخْتِها ‏"‏ الزخرف‏:‏ 84 وقال عمرو بن معدي كرب‏:‏ من الوافر وكل أخٍ مفارقُهُ أخوه لعَمْر أبيك إلاّ الفرقدانِ وقالوا فيما هو أبعد مَعنىً وأقلُّ لفظاً قال الهُذَليّ‏:‏ من الطويل أعامرُ لا آلوك إلاّ مهُنَّداً وجِلد أبي عجلٍ وثيقَ القبائِل ويعني بأبي عجلٍ الثّور وقالوا فيما هو أبعد من هذا قال ابن عَسَلة الشيباني واسمه عبدُ المسيح‏:‏ من الكامل وسَمَاعِ مُدْجِنَةٍ تعلِّلُنا حتى نَنامَ تناوُمَ العُجْمِ فصحوت والنَّمَريُّ يحسبها عمَّ السِّماك وخالَة النّجمِ النجم واحدٌ وجمع والنَّجم‏:‏ الثريّا في كلام العرب مدجنة أي سحابة دائمة وقال أبو النَّجْم فيما هو أبعد من هذا ووصف العَيرَ والمَعْيُوراء وهو الموضع الذي يكون فيه الأعيار‏:‏ وظَلَّ يُوفى الأَكَمَ ابنُ خَالِهَا فهذا مما يدلُّ على توسُّعهم في الكلام وحَمْلِ بعضه على بعض واشتقاق بعضه من بعض وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نِعْمَت العمّةُ لكُم النَّخْلة حين كانَ بينها وبين الناس تشابهٌ وفي مثل ذلك قال بعض الفصحاء‏:‏ من الطويل شَهدْتُ بأن التمرَ بالزبد طَيِّبٌ وأنّ الحُبارَى خالة الكَروانِ لأنَّ الحُبارَى وإن كانت أعظمَ بدناً من الكَرَوانِ فإنَّ اللَّونَ وعَمُودَ الصُّورة واحد فلذلك جعلها خالتَه ورأى أنّ ذلك قَرابةٌ تستحقّ بها هذا القول

  باب آخر من الشعر

مما قالوا في الخطب واللَّسَن والامتداح به والمديح عليه قال كعبٌ الأشقَرِيّ‏:‏ من الطويل إلاّ أَكُنْ في الأرض أخطبُ قائماً فإنِّي على ظَهر الكُميت خطيبُ وقال ثابت قُطنَة‏:‏ من الطويل فإلاّ أكنْ فيهم خطيباً فإنَني بسُمْر القنا والسَّيف جدُّ خطيبِ وقالت ليلى الأخيليَّة‏:‏ حتّى إذا رُفِع اللِّواء رأيتَه تحت اللِّواء على الخميس زعيما وقال آخر‏:‏ من الطويل وهؤلاء يفخرون بخُطَبِهِم التي عليها يعتمدون بالسُّيوفِ والرِّماح وإن كانوا خطباء وقال دُريد بن الصِّمّة‏:‏ من البسيط أبلِغْ نُعَيماً وأوفَى إن لقيتَهُما إن لم يكن كان في سمعيهما صممُ فلا يزالُ شهابٌ يُستضاء به يَهدِي المَقانِبَ ما لم تَهلِك الصِّمَمُ عارِي الأشاجع معصوبٌ بلمَّته أمرُ الزَّعامة في عرنينه شمَمُ المقانب‏:‏ جمع مقنبٍ والمقنب‏:‏ الجماعة من الخيل ليست بالكثيرة والأشاجع‏:‏ عروقُ ظاهر الكفّ وهي مغرِز الأصابع واللِّمّة‏:‏ الشّعرة التي ألمَّت بالمنكب وزَعيم القوم‏:‏ رأسُهم وسيِّدهم الذي يتكلّم عنهم والزَّعامة‏:‏ مصدر الزّعيم الذي يسود قومَه وقوله‏:‏ معصوبٌ بلمّته أي يُعصَب برأسه كلُّ أمر عِرنينه‏:‏ أنفه وقال أبو العباس الأعمى مولى بني بكر بن عبد مناةَ في بني عبد شمس‏:‏ من الخفيف ليت شعري أفاح رائحة المس - ك وما إن أخال بالخَيْف إنسِي حين غابت بنو أمَيّةَ عنه والبهاليلُ من بني عَبد خُرْسِ خطباءٌ على المنابر فُرسا - نٌ عليها وقالةٌ غير خُرْسِ لا يُعابُون صامِتينَ وإنْ قا - لُوا أصابوا ولم يقولوا بلَبْسِ وقال العجّاج‏:‏ من الرجز وحاصِنٍ من حاصِناتٍ مُلْس من الأذَى ومن قِراف الوَقْسِ المحصَنة‏:‏ ذوات الزوج والحاصن‏:‏ العفيف والوقس‏:‏ العيب وقال امرؤ القيس‏:‏ من الطويل ويا رُبَّ يومٍ قد أروح مُرجَّلاً حبيباً إلى البيض الكواعب أملسا وقال أبو العباس الأعمى‏:‏ من الطويل ولم أرَ حَيَّاً مثلَ حيٍّ تحمّلوا إلى الشام مظلومِينَ منذُ بُرِيتُ أعزَّ وأمضى حين تَشتجِرُ القنا وأعلمَ بالمسكين حيث يبيتُ وأرفَقَ بالدُّنيا بأَولَى سياسةٍ إذا كاد أمرُ المسلمين يفوتُ إذا مات منهم سيّدٌ قام سيّدٌ بصيرٌ بعَورات الكلام زَمِيتُ وقال آخر‏:‏ من المنسرح لا يُغْسَل العِرْضُ مِن تدنسِهِ والثّوب إن مَسَّ مدنَساً غُسِلا وزَلَّةُ الرِّجل تُستقالُ ولا يكاد رأيٌ يُقيلك الزّلَلا وقال آخر في زّلل‏:‏ من الوافر ألهفي إذْ عَصَيْتُ أبا يزيدٍ ولهفي إذْ أطعت أبا العَلاءِ وقال آخر‏:‏ من الطويل فإنّكَ لم ينذِرْك أمراً تخافُه إذا كنت فيه جاهلاً مثلُ خابرِ وقال ابن وابصة اسمُه سالم في مقامٍ قامَ فيه مع ناسٍ من الخُطباء‏:‏ من البسيط يا أيها المتحلِّي غيرَ شيمتِه ومَن سجيّته الإكثارُ والمَلَقُ اعمِدْ إلى القَصْد فيما أنت راكبُه إنّ التخلُّق يأتي دونَه الخُلُقُ صَدّت هُنيدةُ لما جئتُ زائرها عنِّي بمطروفةٍ إنسانُها غَرِقُ وراعَها الشّيبُ في رأسي فقلتُ لها‏:‏ كذاكِ يصفَرُّ بعد الخُضْرَة الورَقُ بلْ موقفٍ مثلِ حدِّ السيف قمتُ به أحمِي الذِّمار وترميني به الحدَقُ فما زلَلْتُ ولا أُلفيتُ ذا خَطَلٍ إذا الرِّجال على أمثالها زَلِقُوا قال‏:‏ وأنشدني لأعرابيٍّ من باهِلَة‏:‏ من الطويل سأُعْمِل نَصَّ العِيس حتى يكُفَّني غنِى المال يوماً أو غنى الحدثَانِ فلَلْموتُ خيرٌ من حياةٍ يُرَى لها على الحُرِّ بالإقلال وَسْمُ هوانِ متى يتكلَّمْ يُلْغَ حسنُ حديثِهِ وإن لم يَقُلْ قالوا‏:‏ عديمُ بيانِ ذريني للغِنَى أسعَى فإنِّي رأتُ النّاس شرُّهم الفقيرُ وأهْوَنُهم وأحقَرُهمْ لديهمْ وإن أمسى له كَرمٌ وخِيرُ ويُقصَى في النديِّ وتزدريه حليلتُه ويَنْهَرُه الصَّغيرُ وتلقَى ذا الغِنى وله جلالٌ يكاد فؤادُ صاحبِهِ يطيرُ قليلٌ ذنْبُه والذّنبُ جَمٌّ ولكنِّ الغِنَى ربٌّ غفورُ وقال ابن عبَّاس رحمه اللَّه‏:‏ الهَوَى إله معبود وتلا قولَ اللَّه عزَّ وجل‏:‏ ‏"‏ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ‏"‏ الجاثية‏:‏ 32 وقال أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل‏:‏ من الخفيف تلك عِرسايَ تنطِقان على عَمْدٍ لِيَ اليومَ قولَ زُور وهِتْرِ سالَتَاني الطَّلاقَ أَنْ رأتَا ما لِي قليلاً قد جئتماني بنُكْرِ فلعلِّي أن يكثُرَ المالُ عِندي ويعرَّى من المَغَارم ظهرى وتُرى أعبدٌ لنا وأواقٍ ومناصيفُ من خوادمَ عَشْرِ ونجرُّ الأذيال في نعمةٍ زَوْ - لٍ تقولان‏:‏ ضَعْ عصاك لدَهْرِ المناصيف‏:‏ الخَدَم واحِدهم مَنْصَفٌ وناصِفٌ وقد نَصَفَ القوم يَنْصِفُهُمُ نِصَافَةً إذا خدَمَهم نعمةٌ زولٌ‏:‏ حسنة والزَّول‏:‏ الخفيف الظريف وجمعه أَزْوال وقال عَبيد بن الأبرص في نحو هذا وليس كمثله‏:‏ من الخفيف تلك عرِسي غضبَى تريد زيالي ألبين تريد أم لدَلالِ إن يكن طِبُّك الفراقَ فلا أَحْ - فِلُ أن تَعطِفيِ صُدورَ الجِمال أو يكن طبُّك الدَّلالَ فلو الدَّهر واللّيالي الخوالي كنتِ بيضاءَ كالمَهَاةِ وإذْ آ - تيكِ نَشْوانَ مُرخياً أذْيالي فاتركي مَطَّ حاجِبَيكِ وعيشي مَعَنا بالرَّجاء والتَّأمالِ زعمَتْ أنَّني كبرِتُ وأنِّي قلَّ مالي وضَنَّ عني المَوَالي وصحا باطِلِي وأصبحتُ شيخاً لا يُواتِي أمثالَها أمثالي إنْ تريْنِي تغيَّرَ الرأسُ مِنِّي وعلا الشِّيبُ مَفْرِقي وقَذَالي فبِما أدخلُ الخِباء عَلَى مَهْ - ضومةِ الكشحِ طَفْلةٍ كالغَزَالِ فتعاطيتُ جِيدَها ثمَّ مالتْ مَيَلان الكثيب بين الرِّمالِ قال‏:‏ وخرج عثمانُ بن عفَان - رحمه اللّه - من داره يوماً وقد جاء عامر ابن عبد قيس فقعد في دهليزه فلما خرج رأى شيخاً دميماً أشْغَى ثَطّاً في عباءة فأنكره وأنكر مكانَه فقال‏:‏ يا أعرابي أين رَبُّكَ فقال‏:‏ بالمِرْصَاد والشَّغَى‏:‏ تراكب الأسنان واختلافها ثَطّ‏:‏ صغير اللحية ويقال إن عثمان بن عفان لم يُفْحِمْه أحدٌ قط غير عامرِ بن عبد قيس ونظر معاويةُ إلى النَّخّار بن أوسٍ العُذْريّ الخطيب الناسب في عباءةٍ في ناحيةٍ من مجلسه فأنكره وأنكر مكانَه زِرايةً منه عليه فقال‏:‏ من هذا فقال النَّخّار‏:‏ يا أمير المؤمنين إنّ العباءة لا تكلِّمك وإنما يكلِّمك مَن فيها قال‏:‏ ونظر عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى هَرِم بن قُطْبة ملتفّاً في بَتٍّ في ناحيةٍ المسجد ورأى دمامته وقِلّته وعَرَف تقديمَ العرب له في الحُكم والعِلم فأحبَّ أن يكشِفَه ويَسبُر ما عنده فقال‏:‏ أرأيت لو تنافرا إليك اليومَ أيَّهما كنت تنفّر يعني عَلقمة بن عُلاثَةَ وعامرَ بن الطُّفَيل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ لو قلتُ فيهما كلمةً لأعدتُها جَذَعةً فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه‏:‏ لهذا العقل تحاكمت العربُ إليك ونظر عمر إلي الأحنف وعنده الوفْدُ والأحنف ملتفٌّ في بَتٍّ له فترك جميع القومِ واستنطقَه فلما تبعَّق منه ما تبعَّق وتلكم بذلك الكلامِ البليغِ المصيب وذهب ذلك المذهَبَ لم يزَلْ عنده في عَلياءَ ثم صار إلى أن عقد له الرِّياسة ثابتاً له ذلك إلى أن فارقَ الدنيا ونظر النُّعمانُ بن المنذر إلى ضَمْرة بن ضَمْرة فلما رأى دمامته وقلَّته قال‏:‏ تَسمعُ بالمُعَيديِّ لا أنْ تراه هكذا تقوله العرب فقال ضمرة‏:‏ أبيتَ اللّعن إنّ الرجال لاتُكال بالقُفْزان ولا تُوزَن في الميزان وإنَّما المرءُ بأصغَرَيْه‏:‏ قلبِه ولسانه وكان ضَمرةُ خطيباً وكان فارساً شاعراً شريفاً سيِّداً وكان الرَّمَق بن زيد مدح أباجُبَيْلةَ الغسَّاني وكان الرَّمَق دميماً قصيراً فلما أنشده وحاوره قال‏:‏ عسَلٌ طيِّبٌ في ظَرف سَوءٍ قال‏:‏ وكلَّم عِلباءُ بنُ الهَيثم السّدوسي عمرَ بن الخطاب وكان عِلباءٌ أعورَ دميماً فلمَّا رأى براعتَه وسمِع بيانَه أقبل عمر يصعِّد فيه بصرَه ويحْدُرُه فلما خرج قال عمر‏:‏ لكلِّ أُناس في جُمَيْلِهمْ خُبْرٌ وقال أبو عثمان‏:‏ وأنشدتُ سهلَ بن هارونَ قول سلَمة بن الخُرشُب وشعرَه الذي أرسل به إلى سُبَيع التغلبي في شأن الرُّهُن التي وضعت على يديه في قتال عَبْسٍ وذُبيان فقال سَهل بن هارون‏:‏ واللَّه لكأنّه قد سمع رسالةَ عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري في سياسة القضاء وتدبير الحكم والقصيدة قوله‏:‏ أبلغ سُبَيعاً وأنت سَيِّدُنا قِدْماً وأوفى رجالنا ذِمَما أنَّ بَغيضاً وأنَّ إخوَتَها ذُبيانَ قد ضرَّمُوا الذي اضطرما إن كنتَ ذَا خُبِرةٍ بشأنهمُ تعرفُ ذا حَقِّهم ومن ظَلَما وتُنْزِل الأمرَ في منازلِه حُكماً وعلماً وتحْضرُ الفَهَما ولا تُبالي مِن المُحِقّ ولا المُبْ - طِلِ لا إلّةً ولا ذِمَما فاحكمْ وأنت الحكِيمُ بينهمُ لن يَعْدَموا الحكمَ ثابتاً صَتمَا الصَّتَمُ‏:‏ الصحيح القويُّ يقال‏:‏ رجلٌ صَتَمٌ إذا كان شديداً واصدَعْ أديمَ السَّواءِ بينهمُ على رضا مَن رَضي ومن رَغِمَا إنْ كان مالاً فَقَضِّ عِدَّتُه مالاً بمالٍ وإنْ دَماً فدَمَا حتى تُرَى ظاهرَ الحُكومة مِثْ - لَ الصُّبْح جَلّى نهارُه الظُّلَمَا هذا وإنْ لم تُطِقْ حكومتَهمْ فانبِذْ إليهمْ أمورَهُم سَلَما وقال العائشيّ‏:‏ كان عمر بن الخطاب - رحمه اللّه - أعلَم الناسِ بالشِّعر ولكنه كان إذا ابُتلِيَ بالحُكْم بين النجاشيّ والعَجْلاني وبين الحطيئة والزِّبْرِقان كره أن يتعرَّضَ للشُّعَراء واستشهد للفريقَين رجالاً مثل حسَّان بن ثابت وغيره ممن تهون عليه سِبَالُهم فإذا سمع كلامَهم حَكَم بمايعلم وكان الذي ظَهَر من حُكْم ذلك الشاعر مُقْنِعاً للفريقين ويكون هو قد تخلَّص بِعرضِه سليماً فلمَّا رآه مَن لا عِلم له يسأل هذا وهذا ظنَّ أن ذلك لجهله بما يعرف غيرُه وإنّ الحقَّ مَقْطَعُه ثلاثٌ يمينٌ أو نِفار أو جِلاءُ قال عمر كالمتَعجِّب مِن علمه بالحقوق وتفصيله بينها وإقامته أقسامَها‏:‏ وإنّ الحقَّ مقطعهُ ثلاثٌ يمين أو نِفَارٌ أو جِلاءُ يردِّدُ البيتَ من التعجُّب وأنشدوه قصيدةَ عَبْدَةَ بنِ الطبيب الطويلةَ التي على اللاّم فلما بلغ المنشد إلى قوله‏:‏ من البسيط والمرء ساعٍ لشيء ليس يدركُه والعيش شُحٌّ وإشفاقٌ وتأميلُ قال عمرمتعجِّباً‏:‏ والعيش شُحٌّ وإشفاقٌ وتأميلُ يعجِّبهم من حسن ما قسَّم وما فصَّل وأنشدوه قصيدة أبي قيس بن الأسلت التي على العين وهو ساكت فلما انتهى المنشد إلى قوله‏:‏ من السريع الكَيْسُ والقُوَّةُ خيرٌ من ال - إشْفاقِ والفَهّةِ والهَاعِ أعاد عمر البيت وقال‏:‏ الكَيس والقُوَّةُ خيرٌ من ال - إشْفاقِ والفَهّةِ والهَاعِ وجَعل عمر يردِّد البيت ويتعجب منه قال محمّد بن سلام عن بعض أشياخه قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه لا يكاد يعرِض له أَمرٌ إلاّ أَنشَدَ فيه بيتَ شِعر وقال أبو عمرو بنُ العلاء‏:‏ كان الشاعر في الجاهلية يُقدَّم على الخطيب لفرط حاجتهم إلي الشِّعر الذي يُقيِّد عليهم مآثِرهم ويفخِّم شأنَهم ويهوِّلُ على عدوِّهم ومَن غزاهم ويهيّب من فُرسانهم ويخوِّف من كثرة عددهم ويهابهم شاعرُ غيرهِم فيراقب شاعرَهم فلمّا كثُر الشِّعر والشعراء واتخذوا الشِّعر مَكْسَبةً ورحلوا إلى السُّوقة وتسرَّعوا إلى أَعراض الناس صار الخطيبُ عندهم فوقَ الشاعر ولذلك قال الأوَّل‏:‏ # الشِّعر أَدنى مروءة السرّيّ وأَسْرَى مروءة الدَّنيّ قال‏:‏ ولقدوضَع قولُ الشعر من قدر النَّابغة الذبيانيّ ولو كان في الدِّهر الأوَّل ما زادَه ذلك إلاّ رِفعة وروى مجالد عن الشَّعبي قال‏:‏ ما رأيت رَجلاً مثلي وما أشاء أن ألقَى رجلاً أعلم مِني إلاّ لقِيتُه وقال الحسن البَصريّ‏:‏ يكون الرَّجُل عابداً ولا يكون عاقلاً ويكون عابداً عاقلاً ولا يكون عالماً وكان مسلم بن يَسار عاقلاً عالماً عابداً قال‏:‏ وكان يقال‏:‏ فقه الحسن وورع ابن سيرين وعقل مُطَرّفٍ وحُفظ قتادة قال‏:‏ وذكرت البصرة فقيل‏:‏ شيخها الحسن وفتاها بكر بن عبد اللَّه المزنّي قال‏:‏ والذين بثّوا العلم في الدنيا أربعة‏:‏ قتَادة والزُّهري والأعمش والكلبيّ وجمع سليمان بن عبد الملك بين قَتَادَة والزُّهري فغلب قتادةُ الزهريَّ فقيل لسليمانًَ في ذلك فقال‏:‏ إنّه فقيهٌ مليح فقال القَحذَمِيّ‏:‏ لا ولكنه تعصَّب للقرشيَّة ولانقطاعه كان إليهم ولروايته فضائلَهم وكان الأصمعي يقول‏:‏ وَصَلْتُ بالعلم ونلتُ بالمُلَحِ وكان سهل بن هارون يقول‏:‏ اللسان البليغ والشعر الجيِّد لا يكادان يجتمعان في واحِد وأعسَرُ من ذلك أن تجتمع بلاغةُ الشعر وبلاغة القلم والمسجديُّون يقولون‏:‏ من تمنّى رجلاّ حَسَنَ العقل حسنَ البيان حسنَ العلم تمنّى شيئاً عسيراً باب وكانوا يعيبون النُّوكَ والعِيّ والحُمقَ وأخلاقَ النِّساء والصِّبيان قال الشاعر‏:‏ من الوافر إذا ما كنتَ متَّخِذاً خليلا فلا تِثقَنْ بكلِّ أخي إخاءِ وإن خُيِّرت بينهمُ فأَلصِقْ بأهل العقلِ منهم والحياءِ فإنّ العقلَ ليس له إذا ما تفاضلت الفضائلُ من كِفاءِ وإنّ النُّوك للأحساب داءٌ وأهونُ دائِه داءُ العَياء ومن تَرَك العواقبَ مهمَلاتٍ فأيسر سَعيه سعيُ العَنَاءِ فلا تثِقنّ بالنَّوكى لشيءٍ وإن كانوا بني ماءِ السماءِ وقال آخرَ في التضييع والنُّوك‏:‏ من الوافر ومَن تَرَك العواقبَ مهملاتٍ فأَيْسَرُ سعيهِ أبداً تَبَابُ فعِشْ في جَدِّ أنوكَ ساعدتُه مقاديرٌ يخالفُها الصَّوابُ ذَهَاب المال في حمدٍ وأجرٍ ذهابٌ لا يقال له ذَهابُ وقال آخرُ في مثل ذلك‏:‏ من الطويل أرى زمناً نَوكاهُ أسعَدُ أهله ولكنّما يشقَى به كلُّ عاقِل مشَى فوقه رجلاهُ والرَّأس تحتَه فكَبَّ الأعالي بارتفاعِ الأسافِل وقال الآخر‏:‏ من الطويل فلم أر مثلَ الفقر أوضَعَ للفتى ولم أر مثلَ المال أرفَعَ للرَّذْل ولم أر عِزّاً لامرئٍ كعشيرةٍ ولم أر ذُلاًّ مثلَ نأيٍ عن الأصلِ ولم أَر مِن عُدم أصَرَّ على امرئٍ إذا عاشَ وسط النَّاس من عدم العقلِ وقال آخر‏:‏ من الطويل تحامَقْ مع الحمقى إذا ما لقِيتَهمْ ولاقِهِمُ بالنوك فِعلَ أخي الجهل وقال آخر‏:‏ من الطويل وأنزَلَني طولُ النَّوى دارَ غَرْبةٍ إذَا شئتُ لاقيتُ امرأً لا أشاكله فحامقْتُه حتَّى يقال سجيَّةٌ ولو كان ذا عقل لكنتُ أعاقِلُه وقال بِشر بن المعتمِر‏:‏ من الكامل وإذا الغبيُّ رأيتَه مستغنياً أعيا الطَّبيبَ وحيلةَ المحتالِ وأنشدني آخَرُ‏:‏ من البسيط وللدّهر أيامٌ فكُن في لباسه كلِبْسته يوماً أَحدَّ وأخْلَقا وكنْ أكيسَ الكَيْسَى إذا ما لقيتَهم وإن كُنْت في الحمقَى فكن أنت أحمقا وأنشدني آخر‏:‏ من الطويل ولا تقربي يا بنتَ عمِّيَ بُوهةً من القوم دِفْنَاساً غبيّاً مفنَّدا وإن كان أعطَى رأسَ ستِّين بَكْرةً وحُكْماً علَى حكْمٍ وعَبداً مُوَلَّدا ألاَ فاحذَرِي لا تُورِدَنَّك ِ هَجْمةٌ طِوالُ الذرَى جبْساً من القوم قُعْدُدا وأنشدني آخر‏:‏ من الطويل كسا اللَّه حَيَّيْ تغلبَ ابنةِ وائلٍ من اللّؤمِ أظفاراً بَطيئاً نصولها وأنشدني آخر‏:‏ من الطويل وإنَّ عَناءً أن تُفهِّمَ جاهلاً ويَحْسَب جهلاً أنَّه منك أفْهَمُ وقال جرير‏:‏ من الطويل ولا يعرفون الشَّرَّ حتى يصيبَهم ولا يعرفون الأمرَ إلا تدبُّرَا وقال الأعرَج المعْنِيُّ الطائي‏:‏ من الطويل لقد علَمَ الأقوام أن قد فررتم ولم تبدؤوهم بالمَظالم أوَّلا فكونوا كدَاعِي كَرَّةٍ بعد فرّة ألا رُبَّ من قد فَرَّ ثُمَّتَ أقبَلا فإن أنتمُ لم تفعلوا فتبدَّلُوا بكلِّ سِنانٍ مَعْشَرَ الغَوْثِ مِغْزَلا وأعطُوُهُم حُكمَ الصَّبيّ بأهله وإنِّي لأرجو أنْ يقولوا بأنَّ لا ويقال‏:‏ أظْلَمُ من صَبِيّ وأكذَبُ من صبيّ وأخْرَق من صبيّ وأنشد‏:‏ من الطويل ولا تحكُما حُكْمَ الصبيِّ فإنَّه كثيرٌ على ظَهْر الطّريق مجاهلُه قال‏:‏ وسُئل دَغْفَل بن حنظلة عن بني عامر فقال‏:‏ أعناق ظِباء وأعجاز نساء قيل‏:‏ فما تقول في أهل اليمن قال‏:‏ سيّدٌ وأَنْوَكُ ومن أمثال العامة‏:‏ أحمَقُ من معلَّم كُتَّاب وقد ذكرهم صِقلاَبٌ فقال‏:‏ من الطويل وكيف يُرجَّى الرأْيُ والعقلُ عند مَنْ يَرُوح على أنَثى ويغدو على طِفْلِ وفي قول بعض الحكماء‏:‏ لا تستشيرُوا معلّماً ولا راعيَ غَنمٍ ولا كثيرَ القُعود مع النساء وقالوا‏:‏ لا تدَعْ أمَّ صبيِّك تضربُه فإنّه أعقلُ منها وإن كانت أسَنَّ منه وقد سمعنا في المثل‏:‏ أحمق من راعي ضأن ثمانين فأما استحماق رُعاةُ الغنم في الجملة فكيف يكون ذلك صواباً وقد رعى الغنمَ عدَّةٌ من جِلّة الأنبياءً صلى اللَّه عليهم ولعمري إنّ الفدّادين من أهل الوَبر ورُعاةِ الإبل ليتنبَّلُون على رعاة الغنم ويقول أَحدُهم لصاحبه‏:‏ إن كنت كاذباً فحلبْتَ قاعداً وقال الآخر‏:‏ من الطويل ترى حالِبَ المِعزَى إذا صَرَّ قاعدا وحالبُهنَّ القائمُ المتطاوِلُ وقالت امرأةٌ من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدَّم لجَمْع غامدٍ وحْدَه‏:‏ من المتقارب ألا هل أتاك على نأيِها بما فضحتْ قومَها غامدُ تمنيتمُ مائتيْ فارسٍ فرَدّكُمُ فارس واحدُ فليت لنا بارتباط الخيو - ل ضأناً لها حالبٌ قاعُد وقد سمعنا قول بعضهم‏:‏ الحُمق في الحاكة والمعلّمين والغَزَّالين قال‏:‏ والحاكة أقلُّ وأسقط من أن يقال لها حَمقَى وكذلك الغزَّالون لأنّ الأحمق هو الذي يتكلَّم بالصواب الجيّد ثم يجيء بخطأ فاحش والحائك ليس عنده صوابٌ جيِّد في فَعَالٍ ولا مَقال إلا أَنْ يُجعل جَودة الحياكة من هذا الباب وليس هو من هذا في شيء وباب منه آخر ويقال‏:‏ فلان أحمقُ فإذا قالوا‏:‏ مائِق فليس يريدون ذلك المعنى بعينه وكذلك إذا قالوا‏:‏ أنْوَكُ وكذلك إذا قالوا‏:‏ رقيع ويقولون‏:‏ فلانٌ سليم الصَّدر ثم يقولون‏:‏ عِييٌّ ثم يقولون‏:‏ أبله وكذلك إذا قالوا‏:‏ مَعتوهٌ ومَسْلوس وأشباهَ ذلك قال أبو عبيدة‏:‏ يقال للفارس‏:‏ شجاعٌ فإذا تقدَّم ذلك قيل‏:‏ بطَل فإذا تقدّم شيئاً قيل‏:‏ بُهمْةٌ فإذا صار إلى الغاية قيل‏:‏ أَلْيَسُ وقال العجّاج‏:‏ أَلْيَسُ عن حَوْبائِهِ سَخيُّ وهذا المأخَذُ يَجرِي في الطَّبقات كلّها‏:‏ من جود وبخل وصلاحٍ وفساد ونُقصان ورُجحان وما زلتُ أسمعُ هذا القولَ في المعلِّمين والمعلِّمون عندي على ضربين‏:‏ منهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد العامّة إلى تعليم أولاد الخاصّة ومنهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصّة إلى تعليم أولاد الملوك أنفسِهم المرشحين للخلافة فكيف تستطيع أن تزعم أنّ مثلَ عليِّ بنِ حمزة الكسائِيِّ ومحمد بن المستنير الذي يقال له‏:‏ قُطْرُب وأشباهَ هؤلاء يقال لهم‏:‏ حَمْقَى ولا يجوز هذا القولُ على هؤلاء ولا على الطّبقة التي دونهم فإنْ ذهبوا إلى معلِّمي كتاتيب القُرى فإنّ لكلِّ قوم حاشيةً وسَفِلة فما هم في ذلك إلاّ كغيرهم وكيف تقول مثل ذلك في هؤلاء وفيهم الفقهاء والشُّعراء والخُطباء مثل الكميت بن زيد وعبد الحميد الكاتب وقيس بن سعد وعطاء بن أبي رَبَاح ومثل عبد الكريم أبي أمية وحسين المعلم وأبي سعيدٍ المعلم ومن المعلِّمين‏:‏ الضحّاك بن مزاحم وأمَّا معبد الجهني وعامر الشَّعبي فكانا يعلمان أولاد عبد الملك بن مروان وكان معبدٌ يعلم سعيداً ومنهم أبو سعيد المؤدب وهو غير أبي سعيد المعلم وكان يحدِّث عن هشام بن عروة وغيرهم ومنهم‏:‏ عبد الصمد بن عبد الأعلى وكان معلم ولد عُتبةَ بن أبي سفيان وكان إسماعيلُ بن علي ألزم بعضَ بنيه عبدَ اللَّه بن المقفع ليعلِّمه وكان أبو بكر عبد اللّه بن كيسان معلماً ومنهم‏:‏ محمد بن السكن وما كان عندنا بالبصرة رجلان أروى لصنوف العلم ولا أحسنَ بياناً من أبي الوزير وأبي عدنان المعلِّمَين وحالهُما من أوَّل ما أذكر من أيام الصِّبا وقد قال الناس في أبي البَيداء وفي أبي عبد اللَّه الكاتب وفي الحجَّاج بن يوسف وأبيه ما قالوا وقد أنشدوا مع هذا الخبر شاهداً من قالوا‏:‏ أحقُّ الناس بالرَّحمة عالم يجري عليه حكمُ جاهلٍ قال‏:‏ وكتب الحجَّاج إلى المهلّب يُعْجله في حرب الأزارقة ويسمّعه فكتب إليه المهلّب‏:‏ إن البلاء كلَّ البلاء أَنْ يكون الرَّأْيُ لمن يَملِكه دون من يُبْصره وباب آخر وقال بعض الرَّبانيِّين من الأدَباء وأهلِ المعرفة من البلغاء ممَّن يكره التَّشادُق والتعمّق ويُبغض الإغراق في القول والتكلُّفَ والاجتلاب ويعرف أَكثرَ أدواء الكلام ودوائه وما يعتري المتكلِّم من الفتنة بحِسن ما يقول وما يعرض للسامع من الافتتان بما يسمع والذي يورث الاقتدارُ من التهكُّم والتسلُّط والذي يمكن الحاذق والمطبوع من التمويه للمعاني والخِلابة وحسن المنطق فقال في بعض مواعظه‏:‏ أُنذِرُكم حُسنَ الألفاظ وحلاوةَ مخارج الكلام فإنَّ المعنى إذا اكتسى لفظاً حسناً وأعاره البليغُ مَخرجاً سهلاً ومنحه المتكلم دَلاًّ مُتَعشَّقاً صارفي قلبك أحْلى ولصدرك أمْلا والمعاني إذا كُسِيت الألفاظَ الكريمة وألبست الأوصافَ الرفيعة وتحوَّلت في العيون عن مقادير صُوَرها وأرْبَتُ على حقائق أقدارها بقَدْرِ ما زُيِّنت وحَسَبِ ما زُخرِفت فقد صارت الألفاظ في معاني المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيفٌ وسلطانُ الهوى قويٌّ ومَدخل خُدَع الشيطان خفيّ فاذكر هذا الباب ولا تنسَه ولا تفرِّط فيه فإنّ عمر بن الخطاب رحمه اللَّه لم يَقُلْ للأحنف بن قيس - بعد أن احتسبه حَوْلاً مُجَرَّماً ليستكثر منه وليبالغ في تصفُّح حالِه والتنقير عن شأنه -‏:‏ إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد كان خوّفَنا كلَّ منافِقٍ عليم وقد خِفْتُ أن تكون منهم إلاّ لما كان راعَه مِن حُسن منطقه ومالَ إليه لما رأى من رِفقه وقلة تكلُّفه ولذلك قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّ مِن البيان لسحراً وقال عمر بن عبد العزيز لرجلٍ أحسَنَ في طلب حاجة وتأتّى لها بكلامٍ وجيز ومنطق حسن‏:‏ هذا واللَّه السِّحرُ الحلال وقال رسول اللَّهصلى الله عليه وسلم‏:‏ لاخِلاَبة فالقصد في ذلك أن تجتنب السوقيَّ والوحشيّ ولا تجعَلَ همَّك في تهذيب الألفاظ وشغلَكَ في التخلُّص إلى غرائب المعاني وفي الاقتصاد بلاغٌ وفي التوسُّط مجانبةٌ للوُعورة وخروجٌ مِن سبيلِ مَن لا يحاسب نفسَه وقد قال الشّاعر‏:‏ من الطويل عليكَ بأوساطِ الأمور فإنّها نجاة ولا تركب ذَلُولاً ولا صَعْبَا وقال الآخر‏:‏ لا تذهبَنَّ في الأمور فَرَطَا لا تسألنّ إن سألتَ شطَطَا وكنْ من الناس جميعاً وَسَطا وقال أعرابيٌّ للحسن‏:‏ عَلِّمْني ديناً وَسُوطاً لا ذاهباً شَطوطاً ولا هابطاً هَبوطاً فقال له الحسن‏:‏ لئن قلتَ ذاكَ إنّ خير الأمور أوساطُها وجاء في الحديث‏:‏ خالِطُوا النَّاسَ وزايِلوهم وقال علي بن أبي طالب رحمه اللَّه‏:‏ كن في الناس وَسَطاً وامْشِ جانبّاً وقال عبد اللَّه بن مسعود في خطبته‏:‏ وخيرُ الأُمور أوساطها وما قلَّ وكفى خيرٌ ممّا كثر وألهى نفسٌ تُنْجيها خير من إمَارة لا تُحْصيها وكانوا يقولون‏:‏ اكرهِ الغلوَّ كما تكره التقصير وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه‏:‏ قولوا بقولكم ولا يستَحْوِذنَّ عليكم الشيطان وكان يقول‏:‏ وهل يكُبُّ الناسَ على مَناخِرهم في نار جهنَّم إلاّ حصائدُ ألسنتهم